صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في المجتهد هل يجوز له التقليد أم لا؟]

صفحة 388 - الجزء 1

  فأما فروع الشريعة التي يكون الحق فيها واحداً: فإنما جوزنا التقليد فيها لدلالة شرعية، وهي إجماع الصحابة على ذلك، وهم لا يجمعون على الخطأ كما تقدم في باب الإجماع، ولولا ذلك لما جوزنا التقليد أصلاً فيها، ولا في غيرها؛ لأنه لا يجوز كما قدمنا.

  فأما أصول الدين فلم يقم على جواز التقليد فيها دلالة بل قامت الدلالة على أن التقليد فيها لا يجوز، ولأن قيام الدلالة على جواز التقليد فيها مستحيل؛ لأنه لا يصح إلا بدلالة من الخطاب، ودلالة الخطاب لا تصح إلا بعد معرفته سبحانه بصفاته الواجبة له، وما لا يجوز عليه وما يجوز، ومعرفة أفعاله وأحكام أفعاله، وصحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله [وسلم]، وأن الكذب لا يجوز عليه، ولا التلبيس والتغرير إلى غير ذلك، وهذا لا يتم إلا بعد الإحاطة بأصول الدين بالأدلة والبراهين فكيف يقدر المستحيل فضلاً من تحقيقه.

مسألة: [الكلام في المجتهد هل يجوز له التقليد أم لا؟]

  اختلف أهل العلم في المجتهد هل يجوز له تقليد مجتهد آخر، أم لا؟

  فحكى شيخنا ¦ أن أبا علي منع من ذلك، وقال: لا يجوز له الأخذ بقول آحاد الصحابة إذا اختلفوا إذا كان من أهل الإجتهاد، فإن ترجح عنده قول بعضهم عمل به، وأحسب أنه يوجب عليه عند استوائهم الرجوع إلى اجتهاد نفسه.

  وذكر قاضي القضاة: أن الأولى للمجتهد العمل على اجتهاد نفسه، وحكى عن محمد بن الحسن: أنه جعل الأصول أربعة ذكر منها: إجماع الصحابة واختلافها، فَجَعْلُهُ الإختلاف من الأصول يقضي بجواز الأخذ بالقول المختلف فيه.

  وذكر الشافعي في رسالته القديمة جواز تقليد الصحابة ورجح قول الأئمة منهم، ومنع أكثر الفقهاء والمجتهدين من ذلك.

  واختلفوا في جواز تقليد العالم من هو أعلم منه من الصحابة وغيرهم؛ فجوز ذلك محمد بن الحسن، واختلفت الرواية عن أبي حنيفة في جوازه والمنع منه، وأجاز ابن سريج تقليد العالم من هو أعلم منه إذا تعذر عليه وجه الإجتهاد، وأكثر الفقهاء يمنعون العالم