صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في المجتهد هل يجوز له التقليد أم لا؟]

صفحة 389 - الجزء 1

  من تقليد

  من هو أعلم منه وهو مذهب القاضي وأبي الحسين البصري والحاكم، وكان شيخنا | يذهب إليه، وهو الذي نختاره.

  والدليل على صحته: ما تقرر في الجملة من الأصول أن التقليد لا يجوز؛ لأن المقلد لا يأمن خطأ من قلده سهواً أو عمداً، والإقدام على ما لا يأمن الإنسان كونه مخطئاً فيه قبيح على ما قررناه اولاً على ما هو مقرر في مواضعه من أصول الدين، فلا يجوز التقليد إلا لدلالة شرعية.

  وإنما جوزنا للعامي التقليد في مسائل الفروع لدلالة تخص ذلك، وهو الإجماع من الصحابة على جوازه كما قدمنا ذكره، ولا يجوز قياس ما لم تقم عليه الدلالة لا على جملة ولا تفصيل على ما قامت عليه الدلالة بأحد الوجهين لأن ذلك يقتضي باب الجهالات؛ لأن الدلالة إذا قامت على جواز تقليد بعض مخصوص كالنبي صلى الله عليه وآله [وسلم] وكتقليد العامي للعالم أمنا من الخطأ في التقليد وارتفع الوجه الموجب لقبح التقليد.

  وكذلك إن قامت الدلالة على جواز تقليد بعض الصحابة لبعض إن صح دعوى ذلك فهذه طريق شرعية توجب التخصيص لجواز بعض التقليد، وهو الذي قامت عليه الدلالة، فلو أدخلنا في ذلك ما لم تقم عليه دلالة لجاز التقليد الذي قضت الأدلة بقبحه، وذلك لا يجوز، والعالم لم ترد دلالة شرعية تجوز تقليده لغيره من العلماء.

  فأما إذا كان غيره أعلم منه على معنى أنه قد بلغ درجة الإجتهاد، وهو لم يبلغها فلا كلام في أنه يقلده لأنه في حكم العامي في تلك الحال.

  فأما إذا بلغا جميعاً درجة الإجتهاد فلا يجوز له تقليده لأن كل واحد منهما متمكن من الإتيان بما كلف فلا يجوز له تركه مع التمكن.

  فإن قيل: إنه يقلده لكونه أوسع علماً وأهدى إلى استنباط العلل وأثقب نظراً فجاز تقليده لهذه الوجوه.