فصل: [الكلام في حد الحظر والإباحة]
الكلام في الحظر والإباحة
فصل: [الكلام في حد الحظر والإباحة]
  وينبغي لنا أن نتكلم في حدّ المحظور والمباح، والحظر والإباحة أولاً، ثم ننهي الكلام بعد ذلك في فروع مسائله وتفاصيلها؛ لأن الكلام في حكم الشيء يتفرع على معرفته في الأصل كما لا يجوز لك أن تقول: الخمر حرام أو حلال وأنت لا تعرف الحرام والحلال ولا الخمر.
  اعلم أن شيخنا ¦ قد ذكر في ذلك حدوداً كثيرة من أهل العلم رحمهم الله تعالى وصحح بعضها واختار، ونحن نذكر ما ذكره من ذلك | على وجهه الذي ذكره ليكون ذلك أوضح للناظر وأقرب متناولاً للمجتهد المميز بين صحيح الأقوال وسقيمها، وموتشبها(١) وصميهما، فإن الله تعال من كرمه وسعة جوده لم يجعل قول أحد من خلقه غاية لا يجوز مجاوزتها، وكيف وقد قال في كتابه الكريم: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}[يوسف: ٧٦]، وإنما ذكرت هذه الألفاظ رجاء أن ينفع الله سبحانه بها الناظر في هذا الكتاب وغيره من أهل المعرفة، ويكون ذلك داعية إلى الترجيح بين الأقوال، والنظر في طرق الإستدلال ليكون من أمره على يقين كما قال أصدق القائلين، في كتابه المبين: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}[الحجر: ٧٥].
  عدنا إلى ما كنا فيه من التحديد، قال ¦:
  حدّ المحظور، هو: الفعل الذي منع الله منه بالنهي والوعيد والزجر، وهذا حد صحيح؛ لأنه يطرد وينعكس، وذلك أمارة صحة الحد.
  قال: وقد يستعمل في الفعل إذا كان قبيحاً سواء كان قبحه معلوماً بالعقل أو بالشرع، وسواء زجر الله عن فعله بالنهي والوعيد أم لا، ومتى استعمل في ذلك كان على طريق التوسع والمجاز ولا يستعمل على جهة الحقيقة إلا على ما ذكرناه أولاً.
(١) الموتشب هو المختلط، والصميم هو الخالص من الشوائب.