فصل: [الكلام في حد الحظر والإباحة]
  واحتج لذلك: بأن ما يحصل من الصبي والساهي والنائم من القبيح لا يسمى محظوراً لما لم يتعلق به النهي والوعيد والزجر.
  وحدّ القبيح: بأنه ما ليس للقادر عليه أن يفعله متى كان عالماً بقبحه أو متمكناً من ذلك، وإن شئت قلت: هو ما للإقدام عليه تأثير في استحقاق الذم، واحترزنا بقولنا: متى كان عالماً بقبحه أو متمكناً من ذلك من القبيح من البهيمة والساهي والنائم، فإنه لا يقال ليس لهم الإقدام على ذلك، وإن كان قبيحاً، ولكنهم لو كانوا عالمين بقبحه أو متمكنين من علمه لما كان لهم الإقدام عليه، فهذا هو حد المحظور الذي ذكره ¦ في كتابه الفائق في أصول الفقه، وهو الصحيح فيما نختاره.
  فأما المباح، فقد حكى اختلاف أهل العلم في حده؛
  فمنهم من حده بأنه: ما لم يؤمر به فاعله ولم ينهه عنه ناهي، ونقض هذا الحد بفعل الساهي والنائم بأنهما لم يؤمرا به، ولم ينهيا عنه، وليس بمباح على الإطلاق ويلزم عليه كون أفعال القديم سبحانه مباحة؛ لأنه لم يؤمر بها ولم ينه عنها.
  ومنهم من حده بأنه: ما أعلم فاعله بأنه لا صفة له زائدة على حُسْنِهِ.
  وحده بعضهم: أنه ما أعلم فاعله أو دل على أنه حسن لا ضرر عليه في أن يفعله أو لا يفعله، ولا يستحق عليه مدحاً.
  وحدّه بعضهم: بأنه ما أعلم فاعله بأن لا مدخل لفعله في استحقاق المدح ولا الذم.
  قال ¦: وهذه الحدود الثلاثة يدخل عليها النقض بالمكروه فإنه داخل تحت هذه الحدود وليس بمباح.
  ويرد على الآخر منها النقض بالكلام اليسير والحركة اليسيرة الواقعين من الساهي والنائم بحيث لا يقع فيها نفع لأحد ولا ضرر على أحد فإنهما لا يوصفان بالحسن ولا بالقبح فضلاً أن يقال إنهما مباحان إلا أنه يمكن أن يقال إن فيهما نفعاً أو ضرراً للنائم لأنهما أمر حصل مع جواز أن لا يحصل فلا بد من أمر لأجله حصل، وليس إلا داعي