فصل: [الكلام في حد الحظر والإباحة]
  النائم فإن هو كان داعي علم بذلك القدر ووجهه كان له فيها نفع، وإن كان داعي جهل كأن يصدر عن اعتماد جاز أن يكون له فيه نفع وجاز أن يكون عليه فيه ضرر.
  وما ذكره ¦ من أن فاعلهما قد أعلم في حال تكليفه بأن لا مدخل لفعلهما في باب استحقاق المدح ولا الذم لا يستقيم؛ لأن حال التكليف لا يعترض بها على حال الإهمال في تحديد التكليف كما لا يعترض بحال الصبي الذي لم يبلغ على حال البالغ في أحكام أفعالهما عند التحديد؛ لأن الساهي والنائم كما جاز تعريفهما في الثاني كذلك الصبي يجوز تعريفه في الثاني، فكما لم يعترض بحال الصبي على حال المكلف كذلك لا يعترض بحال النوم والسهو على حال اليقظة؛ لأن المعلوم من غرض أهل العلم تحديد فعل المكلف في حال التكليف، وذكر حكمه في تلك الحال.
  وحده بعضهم: بأنه ما أعلم فاعله بأن لا صفة له زائدة على حسنه ولا ترجيح لتركه على فعله، وذكر ¦ أن ذلك ينقض بكثير من المباحات التي يترجح تركها على فعلها كتقاض الدين من الغريم، فإن الأولى أن لا يتقاضاه ترفيهاً عليه.
  وقال: ولذلك يستحق المدح على فعله فلو لم يترجح تركه على فعله لم يستحق بذلك مدحاً، ولذلك استحب الزهد في كثير من المباحات.
  قال ¦: وقد ذكرنا في كتاب التبيان أن الأولى أن لا يكون المكروه قسماً زائداً على المباح بل يكون داخلاً في حده، وكان ذلك هو الواجب.
  قال: ويكون الصحيح في حد المباح أحد الأولين من الحدود الثلاثة التي تقدم ذكرها لولا ما تقرر من إجماع العلماء من الفقهاء وغيرهم على إثبات أفعال مكروهة في الشريعة كالأكل بالشمال والإستنجاء باليمين، وهذا الاعتراض عندنا غير لازم؛ لأن ترك التقاضي للغريم على وجه طلب الترفيه عنه من قبيل المندوب لا من قبيل المباح، فينتقض بأن تركه أولى من فعله؛ لأن الندب إلى ترك التقاضي ظاهر في الشريعة، وقد وردت به الآثار عن النبي ÷ كما روينا عنه بالإسناد أنه قال: «من أقرض قرضاً كان له مثله صدقة، ثم قال: من أقرض قرضاً كان له مثلاه في كل يوم