فصل: [الكلام في حد الحظر والإباحة]
  صدقة، فسأل ÷ فقال: من أنظر به بعد حلول أجله كان له كل يوم مثلاه صدقة(١)» وإنما يكون مباحاً إذا لم يكن في تركه ترفيه على الغريم فتغيُّر الحالات لا يعترض بها على أصول الدلالات.
  ألا ترى أن المحظور قد يصير بتغير الحال مباحاً بل واجباً كأكل الميتة؛ فإنه محظور في حال وواجب في حال آخر إذا خاف على نفسه التلف ولا يعترض به على حال السلامة.
  فكذلك تقاضي الدين المباح، فإذا كان فيه على المدين مشقة أو كلفة، أو تعلق بتركه قربة أيما قربة كان تركه مندوباً ولم يلحق بالمباح في تلك الحال، ولأنه ¦ ذكر إجماع العلماء على إثباته قسماً خامساً، وهم لا يجمعون على أمرٍ يكون الواجب خلافه.
  وكان ¦ يفرق بين المكروه والمباح بأن المكروه يترجح تركه على فعله على الإطلاق من دون أن تنضاف إليه قرينة، والمباح لا يترجح إلا متى اقترن بالترك قرينة، فإن ترك المباح لا يكون أولى من فعله إلا إذا اقترنت به قرينة، وهي أن يكون على وجه التقرب إلى الله سبحانه بالزهد في الدنيا أو غير ذلك.
  والكلام عندنا في ذلك على نحو ما قدمنا من أن القرينة لا يمتنع أن يصير لها المباح مكروها والمحظور مباحاً أو واجباً فيخرج عن قبيله ويلحق بالقبيل الآخر وحده مستقيم لا يقدح ذلك فيه؛ لأن ما خرج لأمر طارئ لا يؤثر فيه وكذلك ما ذكر من ترك المباحات للزهد في الدنيا لا يمتنع عند حصول هذه القرينة لكون ذلك الفعل مكروهاً، ولهذا نكره لكثير من الصالحين أفعالاً كثيرة مباحة لما علمنا غرضهم في ذلك، بخلاف غيرهم ممن لم نعلم عنه ذلك فإن ذلك الفعل لا يكره له ولا يترجح تركه على فعله، ولا فعله على تركه لتعريه عن الغرض ولو أنهينا الكلام في هذا الفصل إلى غايته لطال الباب، وخرجنا إلى الإسهاب، ونقضنا شرطنا في أول الكتاب، وفيما ذكرنا بحمد الله كفاية.
(١) رواه الإمام زيد بن علي @ في المجموع في باب القرض (ص ٢٠٠)، ورواه أيضاً الإمام أبو طالب # في الأمالي (ص ٢٤٧).