مسألة: [الكلام في حكم الأشياء قبل ورود الشرع]
  فإذاً حدّ المباح عندنا: ما لا يترجّح تركه على فعله ولا فعله على تركه إذا كان صادراً من العالِم به.
  وذكر ¦ حدّ الحظر فقال: هو المنع من الفعل بالنهي والزجر والوعيد، وهذا صحيح عندنا؛ لأن الحظر وإن كان يفيد من أصل اللغة المنع الحقيقي ومنه سميت الحظيرة حظيرة لمنعها للإبل من الندود والتفرق إلى غير ذلك من الأمثلة فإنه لما كان النهي والزجر والوعيد كالمانعة للمكلف من تعدي الحدود جاز أن يسمى حظراً، ولا يبعد كون ذلك حقيقة شرعية لكثرة الإستعمال، وإن كان في الأصل مجازاً؛ لأنه أفيد به ما استعير له، ولم يفد به ما وضع له في الأصل الذي هو ما ذكرنا.
  وأما الإباحة فهي: تعريف الغير جنس الفعل، وأنه لا مدخل لفعله في استحقاق المدح ولا الذم ولا يترجح تركه على فعله على الإطلاق، وهذا الحد على ما ذكرنا عنه ¦.
  فإذاً تحديد الإباحة عندنا: تعريف المكلف جنس الفعل وأن فعله لا يترجح على تركه ولا تركه على فعله.
  وقولنا المكلف يخرج النائم والساهي والصبي وما ليس بعاقل عنه؛ لأنه لا تكليف على من ذكرنا في تلك الحال فهذا هو القول في هذه المسألة على وجه الإيجاز والله الموفق للصواب.
مسألة: [الكلام في حكم الأشياء قبل ورود الشرع]
  اختلف أهل العلم في الأشياء التي يصح الإنتفاع بها ولا ضرر على أحد في تناولها كالشرب من الأنهار الواسعة، والتناول من الثمار التي لا يتعلق بها لأحد ملك كأشجار القفار والجبال قبل ورود الشرع هل هي على الحظر أم على الإباحة؟
  فحكى شيخنا ¦ اختلاف الناس في ذلك على ثلاثة أقوال:
  منهم من قال: إنها على الحظر قبل ورود الشرع، وهم طائفة من أصحابنا البغدادية، وبعض الإمامية، ونفر من الشافعية.