صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في طريقة استصحاب الحال]

صفحة 399 - الجزء 1

  وكان شيخنا ¦ يفصل القول في ذلك، ويقول: إن الحكم المستصحب قد يكون عقلياً، وقد يكون شرعياً:

  فالعقلي أن يقول القائل في المتيمم المصلي إنه إذا لم يرَ الماء لم تلزمه الطهارة، ووجب أن يمضي في صلاته، فكذلك إذا رأى الماء وهذا يبطل لما قدمنا من عدم الطريقة الجامعة بين الحالين، إذ لو جاز الجمع بغير دلالة رابطة لأدى إلى فتح باب الجهالات، بأن نقول إن الفقير لا يلزمه إخراج الزكاة قبل وجود المال فكذلك إذا وجده لا يلزمه الزكاة؛ لأن دلالة الخطاب العام بوجوب إخراج الزكاة وطهارة من أراد الصلاة ثابت على سواء.

  وكان ¦ يقول: إن هذا يصح من وجه دون وجه:

  أما الوجه الذي يصح منه: فهو أن يسقط عنه الوضوء بعد رؤية الماء؛ لأن إيجابه شرعي فلو كان ثابتاً لكان عليه دليل شرعي وليس عليه دليل شرعي، فمتى بين المستدل بذلك أنه ليس عليه دليل شرعي صح استدلاله إلا أنه إذا بين بأنه لا دليل عليه من جهة الشرع صح مذهبه بالإستدلال لا باستصحاب الحال.

  قال ¦: فإن عورض على ذلك فقيل: الأصل وجوب الطهارة بالماء في الشرع فلو سقطت عن الرائي للماء في الصلاة وهو متيمم لكان عليه دليل شرعي لم يسلم الخصم أن الطهارة واجبة في كل حال، وإن رأى المتيمم الماء، فإن استدل على وجوب ذلك بعموم الخطاب كان استدلالاً بالعموم، ولم يكن استدلالاً باستصحاب الحال.

  واعلم أن الوجه عندنا هو الذي قدمنا، وكون الطهارة بالماء غير واجبة على عادمه حال عدمه ليست بحكم عقلي عندنا، وإنما هو حكم شرعي ثابت بطريق شرعي، وما ذكره شيخنا ¦ عائد إلى ما ذكره الشيخ أبو الحسين البصري أنه لا بد من بقاء حكم عقلي، وهذا غير مسلم عندنا على الإطلاق.