مسألة: [الكلام في طريقة استصحاب الحال]
  وقد كان شيخنا ¦ يذهب إلى ما اخترناه على نحو ما قدمنا في مسألة العتاق والرق ونظائرها، ونحن لا نسلم أنه حكم عقلي؛ لأنا لا نعلم علم ذلك الوجه بالعقل وهذا ظاهر ولا يمكن الخصم تصحيحه، وإنما هو حكم شرعي واجب في الأصل على حال فإن تغيرت الحال زال الحكم كما نعلمه في المطالب بالدين في حال عدمه أن القضاء ساقط عنه لعدمه، فإذا وجد المال لم يجز له استصحاب الحال ووجوب القضاء عليه هو الأول، وكذلك من لا تلزمه الزكاة لقصور ماله عن النصاب أو لا يلزمه قدراً زائداً؛ لأن المال لم يبلغ الحد الذي يجب معه إخراج تلك الزيادة لا يجوز له استصحاب الحال عند بلوغ ذلك القدر ولا علة لتجدد الوجوب إلا لتغير الحال الأولى؛ لأن الحكم يثبت بثبوتها ويزول بزوالها، وذلك أمارة العلة الشرعية.
  وقد كنا في باب العلل شرطنا صحة العلة بأن لا يكون ثم ما تعليق الحكم به أولى، ثم تدبرنا الأمر فوجدنا ظاهر أحوال أهل العلم يقضي بأن ذلك لا يجب اعتباره في العلة الشرعية، وأنه لا يلزم فيها ما يلزم في العقلية، ويكون الفرق بينها وبين الشرط أنها لا يجب تكررها والشرط يجب تكرره لتكرر وجوب المشروط.
  فهذا هو الكلام على الوجه الذي ذكره شيخنا ¦ أنه يصح من استصحاب الحال.
  وأما الوجه الذي لا يصح منه: فإن سقط عنه طهارة أخرى لأجل سقوطها يعني الطهارة بالماء إذا لم يرَ الماء عند التيمم، وهذا لا يصح لأنه جمع بين أمرين من غير علة تجمعهما فلا طريقة تنظمهما وما هذه حاله فليس إثباته أولى من نفيه، يبين ذلك ويوضحه: أنه لا يمتنع أن تختلف مصلحة المكلف في ذلك بحسب اختلاف الحالين فتسقط عنه الطهارة بالماء في حال وتجب في حال بحسب اختلاف المصلحة، ولهذا جاز ورود النص على الرائي للماء في الصلاة مع سقوطه عمن لم يره فيها.