صفوة الاختيار في أصول الفقه،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة: [الكلام في أن الأمر قول ظاهر فهم منه المراد]

صفحة 45 - الجزء 1

مسألة: [الكلام في أن الأمر قول ظاهر فُهِمَ منه المراد]

  ذهب العلماء على طبقاتهم أن الأمر الذي هو القول ظاهر فهم منه المراد، وخالف في ذلك بعض المتأخرين ممن ينتسب إلى علم الكلام، وقالوا: لا بد في معرفة المراد منه إلى دليل، وهذا القول باطل لغةً وشرعاً.

  أما اللغة: فما نعلمه من أن القائل لو قال لعبده العربي اللسان: ادخل الدار، أو أَخْرِجْ كذا وكذا من المال، ثم وقف العبد عن ذلك ينتظر الدليل الذي يفهم منه المراد لاستحق الذم من العقلاء، وهم لا يذمون على ترك امتثال ما لا يفهم معناه كما لو خاطب العربي بالزنجية ولم يبين لم يستحق عندهم الذم، ولأنه لا فرق بين قول القائل لعبده: ادخل الدار، وبين قوله دخل زيد الدار، في أن كل واحد منهما له ظاهر يفهم منه المراد، فقوله: ادخل يفيد إيجاب الدخول في المستقبل، كما أن قوله: دخل زيد الدار يفيد دخول زيد في الماضي، فمن أنكر أن يكون للأمر ظاهر يفهم منه المراد لزمه نفي أن يكون للمخبر ظاهر يفهم منه المراد، ومن بلغ هذا الحد من التجاهل علم بطلان قوله بما يجري مجرى الضرورة.

  وأما الشرع: فما عليه المسلمون من لدن النبي - صلى الله عليه وآله - إلى يومنا هذا من الإحتجاج بظواهر أوامر الكتاب والسنة، وقال أبو بكر بحضرة الجماعة: (لا أفرق بين ما جمع الله بينه)، فرجع إلى الظاهر في قوله تعالى: {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ}⁣[المجادلة: ١٣].

مسألة: [الكلام في حقيقة الأمر]

  اختلف أهل العلم في حقيقة الأمر من جهة القول.

  فمنهم من قال: هو قول القائل لمن دونه: افعل، وذلك هو اختيار⁣(⁣١) الحاكم أبي سعيد المحسن بن كرامة الجشمي البيهقي ¦.


(١) وإليه ذهب قاضي القضاة وكثير من المتكلمين. المقنع الشافي (خ).