السيرة الشريفة المنصورية ج1،

فاضل بن عباس بن دعثم (المتوفى: 700 هـ)

[جواب الإمام (ع) على كتاب لوردسار أرسله إلى السلطان هلدري]

صفحة 511 - الجزء 1

  والآخرة، فأنت من أهل النخوة وممن يريد لنفسه الخير؛ واعلم أنك أولى بقبول النصيحة مني، فهلم إلى شرف الدنيا وعزها، وثواب الآخرة وسرورها.

  وأما ما ذكرت من السلطان وأنه يعطيني صعدة والظاهر والبون، فقد أعطاني ذلك مالكه حلالاً طيباً، فالحمد لله.

  وأما قولك: لا أطلب السلطنة، فقد طلبتها ووجدتها، وأصبحت سلطاناً على جميع أهل الأرض بحكم الله سبحانه، وجميع سلاطين الدنيا عليَّ خوارج؛ لأن إمام المسلمين، وخليفة رب العالمين على الحقيقة سلطنني، وملكني زمام الحل والعقد على الكافة، وهو ولي الأمر وواجب الاتباع؛ لقول الله سبحانه: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٥}⁣[يونس: ٣٥]، فانظر - رحمك الله - لنفسك نظراً يخلصك عند الله سبحانه.

  وأما ما ذكرت من غارتي إلى حرض، فقد كانت ولم أر من الله فيها إلا خيراً محضاً، بتعب الظمأ والسموم، ومحق عدونا بأسيافنا.

  فأما ما ذكرت من قتل الأمير جمال الدين لرجالتنا والظن فيك جميل، فإنك ما ذكرت في كتابك إلا ما ذكر لك، ونحن نخبرك خبراً يعلم الله صدقنا فيه، بلغ بنا الظمأ إلى قرب الموت فوصلنا وما فينا حراك ولا في خيلنا، ولقينا ذلك الأمير لقاء مثله من الأجواد، في أجناد كالآساد، وكانت خيلنا قد انقطعت عنا إلا أربعة أو خمسة فقرعنا العود بالعود، فكنا أصبر على الموت فقتلنا من علمت، وأخذنا القلايع، وحزنا القتلى، وأبعدنا الظمأ عن مداومة القتال، وإلا فكنا نأخذهم وهم يعلمون، فانقلبنا بنعمة من الله وفضل لم يمسسنا سوء واتبعنا رضوان الله، وما علمنا بقتيل قتلوه، ولا انتقلت خلفنا لهم فرس وهم يعلمون، ولما وصلنا البلاد فقدنا من جميع ذلك العسكر قرب خمسة عشر نفساً صرعهم