السيرة الشريفة المنصورية ج1،

فاضل بن عباس بن دعثم (المتوفى: 700 هـ)

فتح مأرب وبيحان وما يتعقبهما من الأحداث الكبار

صفحة 620 - الجزء 1

  أهل العقول السليمة كيف يدعو إلى دين محمد ÷ من حصد ذريته بالسيوف، وجرعهم كأس الحتوف، فأيتموا الأولاد، وأثكلوا الأزواج، وشتتوا الجمع، وسلوا سيف العقوق، وجحدوا واجب الحقوق، فحثوا في وجه الصنيع وكفروا النعمة، وقابلوها بأقبح مكافأة، فو أيم الله لو أن محمداً ÷ من بعض الأعاجم، ولم يكن داعياً إلى الله، وهادياً إلى الرشد، وقد نالوا به رغد العيش، وتخلصوا من نكد الكد والتكسب، لكان أقل حقوقه عليهم أن يحفظوه في ذريته، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولقد تعدوا الطور، وارتكبوا الجور، وصاروا عند الظفر بالقائم من العترة الطاهرة يتكاتبون بالتهاني كأنهم قد ظفروا بطاغية الروم وسلطان الترك؛ فإن قتلوه تهادوا رأسه في الأطباق، ونصبوه على رؤوس الرماح، وطافوا به الأسواق، ورفعوه على منار المساجد، وامتلأوا سروراً بما لو كان رسول الله ÷ حيًّا لدمعت عينه، وحزن قلبه، وظهرت كآبته، وعُزي بمصابه كما يعزى الوالد بولده، فيا لها غفلة سببها الخذلان، لمن لم يقبل عن الله سبحانه موعظته، ولم يهتد بهديه، ولم يفكر في نجاة نفسه، هذا وإن كانوا لم يبلغوا بقتله ما راموه من استئصال شأفتهم؛ لأن مثلهم كما قال تعالى: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}⁣[الفتح]، فغاظهم فحصدوا، فبُرُّ الحاصدين حصده، وقدروا فقبضوا، ففاض من قبضتهم سنبله، وما ظنك بشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فكلما وقعت فيها سيوف الظالمين ازدادت نمواً وسمواً، وشرفاً وعلواً؛ ثم هاهي الآن - أعني: العترة الطاهرة $، مع ذلك قد صارت في خاصة أنفسها