فتح مأرب وبيحان وما يتعقبهما من الأحداث الكبار
  جنوداً مجندة، وجموعاً متكاثرة، وقد كانت تعيب تخلف الناس عن قائمها، والداعي إلى الله منها، فما عذرها هي في نفسها.
  لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
  مع أنها قد عاينت الروم تجمع على طاغيتها، والترك على سلطانها، والحبش وجميع أجناس الأمم على ملوكها، فما العذر لهذه الشجرة الطيبة في تخلفها عن إمامها، بعد أن ظهرت دلائله، وانقطع سائله، وصدقت مخايله، رجعت بقيامه الخلافة إلى أربابها، والإمامة إلى نصابها، من أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومهبط الوحي، ومختلف الملائكة، أهل العدل والإنصاف، والتوفيق والألطاف.
  هذا، وقد أصبحتَ بنعمة الله عليك نظاماً لفريدها، وجمعاً لوحيدها، وشمساً طالعة في سماء مجدها، وغرة شادخة في وجه شرفها، وصمصامة قاطعة لأعناق أضدادها، وفئة مانعة لدهماء أودادها، ولم ندع إلى أمر تنكره فتجعل عذرك في التخلف عنه إنكاره، ولا حال تجهله فيكون السبب في مسامحتك في تركه جهله، ولا أنت بمأفون الرأي، ولا مخشي الخطل، وكيف وقد(١) [قررت عن ذكاء، وشأوت السوابق إلى الغاية القصوى، ونشأت على تشييد معالم الدين، وقمع شياطين المعتدين، حتى طارت لك بذلك لسان صدقٍ في العالمين، وذُكرتَ أحسن ذكرٍ في البادين والحاضرين؛ فحمدنا الله على ذلك حمداً يوازي نعمه علينا فيك، وإحسانه إلينا بك، وسألناه لك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد لتقوم قناة الدين بنقاف حزمك، وتخمد نار المبطلين بوابل عزمك، وتدور رحى الإسلام على قطب تدبيرك، وتستقل
(١) من هنا نقص في الأصل المخطوط من السيرة، وأكملناه من مجموع مكاتبات الإمام المنصور بالله # ص ٣٨، بتحقيق الأستاذ عبد السلام الوجيه، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية.