فتح مأرب وبيحان وما يتعقبهما من الأحداث الكبار
  واعلم أن أمر العدو الذي نحاربه - وإن كان كثيراً في نفسه لكثرة ماله ورجاله - فهو عندنا بالله وحده لا شريك له دون ما في صدور الناس وظهر على ألسنتهم؛ لأنا قد علمنا خبره، وخضنا بحره، وهزمه الله على أيدينا هو وأجناده مرة بعد مرة، ولم يسلم من الأسر من أمراء أجناده منا إلا القليل، فكسرناهم في مقام بعد مقام، وقيام بعد قيام، {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ٦٤}[المائدة: ٦٤]، فغوايرنا عليهم كل يوم مشنونة، وسيوفنا لضرب أعناقهم مسنونة، خيلنا تصل في البلاد النجدية إلى قريب من باب صنعاء؛ إذ لم يبق معهم في البلاد النجدية إلا صنعاء والقليل من أعمالها، وسائر البلاد في أيدينا مقبوضة، أحكامنا ماضية فيها وأوامرنا نافذة، وما بقي حربهم لنا في صنعاء إلا خوفاً على بلاد تهامة؛ لأن خرج صنعاء قد صار أكثر من دخلها، فلم يغن ذلك عنهم شيئاً، بل توجهت الجنود المنصورة إلى ناحية تهامة فعطلت ربوعها، وفرقت جموعها، وخربت زروعها، وجعلتها عبرة للناظرين كأن لم تغن بالأمس، ولم يَدَعوا لنا ما في أيدينا، ولا يُغضُون على القوارع التي نزلت بهم من قبلنا، رحمة لنا ولا شفقة علينا.
  ولم تفترق عنه الأسنة رحمة ... ولا ترك الشام الأعادي له حبا
  وقد تحقق لك بما حققنا أن العدة التي ذكرنا أولاً لو انضافت إلى من قد صار تحت أيدينا، لأحكمنا بها أمر اليمن في أقرب مدة، وكان الكلام لا يبقى إلا فيما سواه من البلدان، وسينجز الله لنبيه ÷ ما وعده في عترته من أن أمرهم يعم البلاد عموم الليل، فقد روي عن أمير المؤمنين #: (والله لو لم يبق من عمر الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يقوم منا رجل أهل