[كتاب الإمام إلى هلدري]
  ولا نحن منها، ونحن أولاد الرجل الذي مات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً شعيراً قوتاً لأهله، ولسنا نفاخر الملوك وأهل الدنيا، إلا أنا نلبس من أغلظ الثياب، ونأكل من أخشن الطعام، ونقوم الليالي ونصوم الأيام، وقد كنا نرجو أن مثل كتاب إسماعيل لو مر بك لمزقته ونوهت بصاحبه، رعياً لما بيننا وبينك.
  إن المعارف في أهل النُّهى ذمم
  ولو اعتقدت أنا قد أخطأنا عليك عملت بما قال الشاعر:
  إذا ما الصديق هفا مرة ... وقد كان من قبلها مجملا
  تغمدت ما كان من فعله ... ولم يُذهب الآخرُ الأولا
  وتعلم أنا لم نكتب كتاباً ينقض ما بيننا وبينك إلى هذه الغاية، وقد كتبتَ إلى ريمة وإلى جهات شتى بما لا يليق بمثلك، وبعد ذلك فلا نحمل عليك ولا ننسى حميد فعلك؛ لأنا من شجرة طيبة مباركة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، لا يزيدنا تمادي المكروه إلا حلماً، وقد كانت بلغتنا أمور فرأينا معها الإمساك عن المكاتبة، إلى أن أتانا الأمير الأجل سليمان بن محمد القاضي وذكر أنه أتاه منك مطالعة شافية، ومحبة وافية، ورعياً لما بيننا وبينك، فحمدنا الله على ذلك، وأصدرنا هذا الكتاب مستطلعين لحقيقة ذلك.
  فأما سب إسماعيل: فإنا نرجو أن يخذله الله سبحانه بذلك خذلاناً ظاهراً، ويكون لنا عليه ناصراً.
  فاستجاب الله سبحانه هذه الدعوة، وما كان إلا مدة وصول البريد بالبشارة بقتل عسكر إسماعيل في بلاد قدم، وسيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله.