حكاية عمرو بن مرة والمسترشد لدينه
  اختلفوا في الزكاة أنها من مائتي درهم خمسة؟ قال: لا، قال: فهل اختلفوا في الغسل من الجنابة أنه واجب؟ قال: لا، قال مسعر: فذكر هذا وأشباهه ثم قرأ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}[آل عمران: ٧] فهل تدري ما المحكم؟ قال: لا، قال: فالمحكم ما اجتمعوا عليه، والمتشابه ما اختلفوا فيه شد نيتك في المحكم وإياك والخوض في المتشابه. قال: فقال الرجل: الحمد لله الذي أرشدني على يدك فوالله لقد قمت من عندك وإني لحسن الحال، قال: فدعا له وأثنى عليه.
  قال بعض العلماء: يقصد من قوله ليس في يدي شيء أن من قرأ القرآن وهو يريد الانتصار لرأيه وشبهته فسيجد في متشابه القرآن ما يستدل به، فالمرجئة يستدلون بمتشابه القرآن، وكذلك الخوارج، والقدرية، والمشبهة، والروافض والنواصب، وغيرهم فكل هؤلاء لا يتحاكمون إلى المحكم ولا ينطلقون منه ولا يرتكزون، عليه وإنما يبدأون بما تنازع الناس في دلالته، وإذا كان الحال هذا فلن يتفقوا ولن يجتمعوا تحت راية ولن يصلوا سوياً، وستبقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، جزاء إهمالهم للقطعيات، وتوظيفهم للجزئيات المتشابهة، وسيظل أعداؤهم من اليهود والنصارى وغيرهم ظاهرين عليهم، مذلين لسوادهم، جانين لخيراتهم ... ما دام أنهم - أعني المسلمين - لم تفلح القطعيات في اجتماعهم وتوادهم وتراحمهم وتعاونهم، وتعظيمهم لأمر الإسلام وأهله ... إلخ. قلت ومما يؤيد هذا ما قاله أمير المؤمنين # عندما أرسل ابن عباس ® لمحاجة الخوارج، قال: حاججهم بالسنة ولا تحاججهم بالقرآن فإنه حمال أوجه.