حكاية الرجل الصالح وعائلته القانعة بما كتب الله تعالى
  العائلة كلها بالتهليل والتكبير، ثم يبدأ عملها الدائب في إعداد العشاء فإذا نضج الطعام بدأوا يتناولونه من إناء كبير، فإذا انتهوا من عشائهم حمدوا الله تعالى وشكروه وأكثروا من حمده وشكره ثم أووا إلى فراشهم الخلق البسيط فرحين قانعين لا يتمنون على الله غير الستر والعافية وألاَّ يحتاجوا إلى إنسان.
  وفي يوم من أيام الخريف كانت العائلة تنتظر رجلها مساءً على باب الدار، فإذا بهم يرون بعض الشرطة يحملون نعشاً، فلما تبينت العائلة الأمر وجدت معيلها الوحيد هو المحمول في النعش. كان قد أغلق حانوته وقصد القصاب المجاور فاشترى لحماً، وقصد الخباز القريب فاشترى خبزاً وحمل بقايا خضرته من دكانه، فلما أراد عبور الشارع دهسته سيارة طائشة فمات الرجل فوراً وتبعثر ما كان معه من زاد، وتجمع الجيران حول النعش، وجمعوا من سراتهم بعض المال وأنفقوا على تجهيز الجثة الهامدة ما جمعوا، وقدموا ما تبقى من مال زهيد إلى العائلة، وفي صباح اليوم التالي واروا الفقيد إلى مقره الأخير، وكان أكبر أولاده في سن الخامسة عشرة يدرس في الصف الثاني في المدرسة المتوسطة الشرقية ليعد نفسه ليكون موظفاً صغيراً بعد تخرجه من الإعدادية فيعاون أهله، وبعد يومين من موت والده نفذ آخر ما جمعه الجيران من مال للعائلة، وفي اليوم الثالث قصد حانوت والده، وبدأ يعمل فيه كل يوم بعد غروب الشمس كما كان يفعل والده ولكن الابتسامات غاضت إلى غير رجعة ... والفرح مات إلى الأبد، وكان الطعام الذي تتناوله العائلة ممزوجاً بالدموع، لقد دفنت العائلة سعادتها مع فقيدها الحبيب.
  ومرت الأيام ثقيلة بطيئة، ودار الزمن دورته فانقضت ثلاث سنوات، ودعي الولد إلى الخدمة في الجندية بعد أن استكمل الثامنة عشرة من عمره ... واجتمعت