طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

حكاية الرجل الصالح وعائلته القانعة بما كتب الله تعالى

صفحة 404 - الجزء 1

  العائلة تتداول الرأي هل يترك الابن الثاني مدرسته وقد أصبح في الصف الرابع الإعدادي ولم تبق له غير سنة ليتخرج من الإعدادية ليتولى إدارة حانوت أخيه؟ وإذا لم يفعل فمن يعيل أهله، واستقر رأي العائلة على بيع الدار ولو أن الخروج منها كخروج الشاة من جلدها لا يسمى إلا موتاً أو سلخاً ... ! والتحق الابن الأكبر بالجندية في بلد مجاور يتدرب على استعمال السلاح وكان معلم التدريب العسكري يلاحظه فيجد فيه ذهولاً وانصرافاً عن التدريب، فكان ينصحه تارة ويعاقبه بالتعليم الإضافي تارة أخرى، دون جدوى، لقد كان حاضراً كالغائب، وكان جسمه فقط مع إخوانه الجنود في التدريب ولكن عقله كان بعيداً ... بعيداً ... هناك عند عائلته. واستدعاه معلمه يوماً وسأله عن مشكلته ففتح له قلبه وأخبره بأمره فبادله المعلم الإنسان حزناً بحزن، وأسى بأسى، وكف عن ملاحقته في أمر إتقان التدريب وعرض المعلم مشكلته، على آمر الفيصلة، فأمر بتعيينه في مطبخ الجنود يغسل القدور، ويقطع اللحم، ويوقد النار، ويوزع الطعام.

  أما أمه ... فكانت هى أيضاً حاضرةً كالغائبة، استقرضت بعض المال من أحد سماسرة بيع الدور لتطعم العائلة به ورهنت سند الدار عند السمسار وعرضت الدار للبيع، واستمر عرض الدار أياماً على الراغبين بشرائه، وأخيراً بعد مرور عشرين يوماً باعت الدار بأربعمائة دينار، ثم قضت تسعة أيام في معاملات حكومية رتيبة لنقل ملكيتها إلى المالك الجديد. وبقي يوم واحد على موعد إعطاء البدل النقدي ولدها، وكان عليها أن تسافر إلى المدينة التي استقر فيها ولدها في الجندية مساء اليوم التاسع والعشرين، لتسلم البدل النقدي، صباح يوم الثلاثين، فإذا تأخرت عن ذلك الموعد ساعة فلن يقبل من ابنها البدل النقدي، وقصدت الأم مأوى السيارات التي تنقل الركاب من بلدتها إلى بلدة ولدها فوجدت السيارات ولم تجد الركاب.