طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

حكاية الرجل الصالح وعائلته القانعة بما كتب الله تعالى

صفحة 406 - الجزء 1

  لركابها أنه يريد أن يقضي حاجته ثم يعود إليهم فوراً ... وانحدر إلى الوادي فسمع أنيناً خافتاً فقصد المرأة السابحة ببركة من الدم وقال لها: ملعونة، لا تزالين على قيد الحياة حتى الآن، وجمدت المرأة في مكانها وانتظرت مزيداً من الطعنات ..! وانحنى السائق إلى صخرة ضخمة ليحطم بها رأس المرأة الجريحة، وما كاد يضع يديه تحت الصخرة إلا وصرخ صرخة عظيمة هزت الوادي الصخري السحيق ورددتها جنباته الخالية إلا من الوحوش والأفاعي والهوام، وسمعها ركاب السيارة فهرعوا لنجدته، كانت تحت تلك الصخرة الضخمة التي أراد السائق المجرم رفعها ليقذف بها رأس المرأة الجريحة حية سامة لدغته حين كان يهم بحمل الصخرة العاتية فسقط إلى جانب المرأة يستغيث ويتألم ..! وحمل المسافرون السائق وحملوا المرأة، وانتظروا حتى قدمت سيارة أخرى فاستوقفوها وطلبوا من سائقها حمل المرأة والسائق إلى المستشفى التي كانت في المدينة التي يستقر فيها ولد المرأة الجريحة. وفي الطريق فارق الحياة ذلك السائق المجرم متأثراً بالسم الزعاف. وفي المستشفى قدم الشرطة والمحققون العدليون فعرفوا القصة كاملة وانتزعوا مال المرأة من طيات جيوب السائق اللعين، وطلبت المرأة حضور ولدها فحضر في الهزيع الأخير من الليل وراحت المرأة في غيبوبة عميقة، فظن الأطباء والممرضون أنها تعاني سكرات الموت، وعمل الطبيب على نقل الدم إليها، وفي ضحى اليوم التالي فتحت عينيها لتقول لولدها: ادفع البدل النقدي سريعاً، ثم أغمضت عينيها وراحت في سبات عميق، ودفع الولد بدله النقدي وسرح من الجيش ... وتحسنت صحة أمه يوماً بعد يوم حتى تماثلت للشفاء، حيث غادرت المستشفى إلى أهلها، وذهبت قصة نجاتها وقصة موت السائق وقصة الحية المنقذة شرقاً وغرباً، وأصبح حديثها حديث الناس جميعاً ... ولقد كان الوادي الذي ارتكب السائق فيه جريمته والذي قذف بين صخوره المرأة الجريحة من الوديان الموحشة