الملاح القاتل للطفل وأمه
  القاتل الأصلي الذي ارتكب جريمة القتل وأفلت من العقاب ... ونفذ فيه حكم الإعدام شنقاً حتى الموت، وكان بالإمكان أن يمر إعدام الجزار كما مر إعدام غيره من المجرمين دون أن يترك أثراً في المجتمع أو يترك أثراً محدوداً في المجتمع يزول بمرور الأيام، ولكن إعدام هذا الجزار ترك أثره العميق في المجتمع، بحيث لا يزال يتردد حديثه حتى اليوم، وسرُّ هذا الأثر يكمن في أنه كان بريئاً من دم القتيل الذي أعدم بسببه، ولكنه لم يكن مظلوماً في الحكم عليه بالإعدام؛ لأنه كان مديناً بقتل طفل ووالدته، عجز البشر في حينه عن اكتشاف قاتلهما ولكن الله كان له بالمرصاد.
  نشأ في عائلة فقيرة جداً لا تكاد تحصل على قوتها اليومي إلا بشق الأنفس، في حي من أحياء الرصافة من بغداد، وفي السادسة عشرة من عمره عمل في قارب من قوارب العبور ملاحاً في نهر دجلة بين جانبي بغداد - الرصافة - والكرخ، ومرت عليه ست سنوات في عمله الدائب الذي قد يستمر في بعض الأحيان ليلاً ونهاراً لا يعرف للراحة طعماً إلا حين يأوي إلى فراشه لينام قليلاً، وكان ما يجمعه يومياً لا يكاد يسد رمق عائلته الكبيرة المؤلفة من أبوين شيخين، وخمسة إخوة، وست أخوات، وكان هو بكر والديه.
  وذات صباح من أيام الصيف في بغداد كان على ضفة دجلة اليمني حيث جانب الكرخ من بغداد جاءته فتاة مع أمها يبلغ عمر الفتاة ستة عشرة سنة، ونقل الأم وابنتها إلى جانب الرصافة، فتحرك قلبه للفتاة من أول نظرة ولأول مرة في حياته، فلم يبق له الفقر وإعالة أبويه وأشقائه وشقيقاته قلباً يخفق، حتى ظن أن قلبه أصيب بالشلل المزمن، فلا تحركه العواطف بقدر ما يحركه الخبز، والظاهر