الملاح القاتل للطفل وأمه
  أن دقات قلبه حرَّكت لا إرادياً دقات قلب الفتاة، وبمرور الوقت عرف أنها تصاحب أمها من جانب الكرخ لزيارة خالتها في جانب الرصافة صباح يوم الخميس من كل أسبوع، فأخذ ينتظر قدومها وينقلها على الجانب الآخر، وينتظر عودتها فيعيدها إلى الكرخ، وفي كل مرة تمتطي الفتاة وأمها قاربه ذهاباً وإياباً يرفض تقاضي الأجور الزهيدة فتأبى والدة الفتاة إلا أن تدفع الأجر كاملاً، فيسر هذا التنازل والرفع التعارف بين الطرفين، وتبادل الكلمات القصيرة كالتحية والسؤال عن الصحة والعافية، وهمس مرة في أذن الفتاة منتهزاً فرصة مغادرة الأم القارب أولاً إلى اليابسة قائلاً: أحب أن أتزوجك فقالت: اطرق باب والدي فتسمع الجواب، ومضت الأم والفتاة إلى سبيلهما، وبقى الفتى يفكر في أسلوب عرض زواجه بالفتاة على أبويه، وفي طريقة إقناعها بهذا العرض، ومرت أسابيع عدة وهو غارق في تفكيره يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، وكان يلاقي فتاته كل خميس رائحة غادية تلاحقه بنظرات العتاب، وعتاب العينين أبلغ من عتاب الشفتين، فكان يغض الطرف خجلاً تارة، ويقابل نظراتها بالابتسامة تارة أخرى، وهمست في أذانه ذات صباح طرق باب والدي غيرك، ثم مضت متعثرة لخطوات خجلة متلعثمة كأنها قد اقترفت ذنباً عظيماً، وعاد الفتى إلى أهله مساءً فأخبر أمه بقصته وفتاته، فوعدته أن تحمل له الجواب وشيكاً، وكلمت أمه أباه بالدموع فليس في دارها كساء، ولا غذاء، ولولا حب الوطن لهجرته فئرانه إذ ليس فيه ما تأكله، وليس لديهم درهم ولا دينار، وفي الدار غرفة واحدة يطلق عليها اسم الغرفة مجازاً، لأنها لا تقي من مطر الشتاء، ولا من شمس الصيف، وتدخلها الريح من مواضع وشقوق شتى بدون استئذان.