الملاح القاتل للطفل وأمه
  في اليم يبكي ويستغيث، ويسمع الصوت الذي انطلق منه باكيا حين جذبه من بين أحضان أمه قبل أن يقذفه في اليم، ويسمع صوت أمه وهي تهدد، وتتوعد، وتزمجر، وكأنها وهي في جوار الله تهاجم قاربه هجوماً لا هوادة فيه، فيعلو الموج لبكاء الطفل واستغاثته وتهديد أمه وتوعدها، فإذا أقبل الليل أصبح من المستحيل على الملاح المجرم أن يعبر النهر فإن شجي الطفل وأمه يطاردانه في الظلام ومعهما أشباح لا تعد ولا تحصى، وهجر الملاح قاربه وأصبح جزا جزاراً .....
  وطالت جلسة الليلة الأخيرة من حياة الملاح القاتل وهو يحدث أباه وأمه وإخوانه وأخواته حديثه الأخير.
  واقترب موعد تنفيذ حكم الإعدام بالملاح فانضم إلى أهله جماعة من الرسميين الذين جاءوا ليشهدوا تنفيذ الحكم فيه شنقا حتى الموت، وجاء من يذكر الأهل والموظفين بأن الوقت قد آن للتنفيذ.
  وكان الجميع مأخوذين بما سمعوا يتمنون أن تطول حياة الملاح ولو دقائق معدودات، وجاء من يضع فوق رأس ووجه المحكوم عليه كيساً أسود ويقوده إلى المشنقة. وصاح المجرم قبل أن تسحب اللوحة من تحت رجليه: فتشوا عن قاتل صاحبكم فأنا أشنق لقتلي الطفل الرضيع وأمه، والحكم الذي صدر بحقي ليس من عدل البشر بل من عدل رب البشر. وانتهى أمره، ولكن قصته بقيت عبرة لمن يعتبر.
  ولله القائل:
  هي الأيام دائرة ... فلا تفرح ولا تأسى
  وكن بالله ذا ثقة ... فإن الله لا ينسى