طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

الحياة الطيبة

صفحة 437 - الجزء 1

الحياة الطيبة

  من كتاب الوافد على العالم للإمام القاسم بن إبراهيم الرسي #:

  قال الوافد وهو ابنه الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم الرسي: صف لي الحياة الطيبة؟

  قال العالم: أقول لك: إن الحياة الطيبة لا تدركها إلا بخمسة أشياء: أول ذلك العقل، ثم المعرفة، ثم اليقين، ثم العلم، ثم الغناء بما عند الله، فهذه الحياة الطيبة، فإذا أردت أن تنالها فعليك بمنازعة النفس ومعاداتها، ومخالفة الهوى، فإن لك في ذلك كله كفاية، فإذا أردت أن تكون من أهل الصدق في الحياة الطيبة فإنك تنفي العادة الخبيثة، ولبس نفسك الصبر والخلق الحسن، وأزل عن قلبك الذكر الرديء، ولا تشغل قلبك بغير ذكر الله وطاعتة وأمت حرارة الشهوة من نفسك، وليكن الموت عندك أحب إليك من الحياة، فإن الصالحين من قبلك تناسوا قلوبهم بالحزن الطويل والجهد الثقيل يريدون بذلك رضا ربهم، والتقرب إليه، فإن أحببت أن تسلك طريقهم وتقفو آثارهم، فحول نفسك عن الدنيا وزهرتها، وأدب نفسك بالجوع، وأذلها بالفقر، وموتها بقرب الأجل، وابصر بعينيك إلى عرصة القيامة، حتى كأنك تحاسب فيها، فحاسب نفسك قبل ورودك إليها، واقطع نيتك عن كل شغل يشغلك عن الله، وتأدب بآداب الصالحين الذين من قبلك، رموا بقلوبهم نحو خالقهم، وكلما تحولت قلوبهم إلى غيره حملوا عليها بالزجر، ورجعوا إلى مقامهم، وقصدوا بأبدانهم نحو قلوبهم جهداً منهم، وأيأسوا أنفسهم عن الدنيا وراحتها، وعودوا قلوبهم الجهد وكدوها في طاعة الله