[كتاب الإمام إلى الأمير هلدري]
  فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، حمداً كثيراً، بكرة وأصيلاً.
  أما بعد:
  فإن الله تعالى جعلنا الولاة في بلاده، والأمناء على عباده، والحكام في أرضه، وخصنا بولادة نبيه ÷، ووراثة كتابه، وحفظ علمه، وقد طال زمان الفترة، وبعدت علينا في عاجل الدنيا النصرة، محنة صبرنا عليها، وغاية جرينا إليها، لنوفى أجر الصابرين بغير حساب، ثم الآن قد رد الله الأمر إلى نصابه، والملك إلى أربابه، من أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومهبط الوحي، ومختلف الملائكة، وقد صرتم بأمر الله سبحانه تحت أمرنا داخلين، ووجب عليكم تلقي القابلين، قال أصدق القائلين: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء: ٨٣]، ونحن الذين يرد الله سبحانه الأمر إليهم، والعماد في معالم الدين عليهم.
  ولما كان أمير المؤمنين ناظرًا لهذه الأمة في صلاحها، متحرياً لتقويم عمود دينها، وكان الدين لا يقوم إلا بشدة ولين، وعطاء ومنع، وبسط وقبض، وقيام وقعود، وذكاء وخمود، وكان لا بد من نظام للجنود، وقائد للجيوش، يجمع رباطة الجأش، وحسن التدبير، ولطف السياسة في الجمهور، مع خشونة الجانب، عند قود المقانب، ولجاج المواثب، عند ازورار المناكب، فيطرق إطراق الشجاع، ويثب وثوب السباع، فرأى أمير المؤمنين رأياً يسأل الله تعالى فيه الثبات، وتوفيق الحركات والسكنات، وخلوص النيات، أن هذا الأمر لا يقوم به إلا من يجمع شرف المنصب، وشدة المنكب، وثبات القلب، وذكاء اللب، وصبر البازل المقيد، وعزم بواسل الأسود، مع سخاء النفس، وكرم الجنس، ورأى هذه الخلال كلها مجتمعة في السلطان المكين،