قصة غزاة نجران الأخرى
  حتى أتت موضعاً يقال: ذات علي، وقد أصاب العسكر أمر عظيم من التعب وشدة الحر والسموم، حتى كاد الناس يهلكون، وأشفوا على التلف فلطف الله تعالى لهم بمطر على شدة الأمر، شرب منه العسكر بأجمعهم، ولم يقع منه ماء سائل، ولا استقر منه شيء على الأرض إلا مقدار ما شرب الناس منه كفايتهم، وكان ذلك من جملة الآيات والكرامات المعدودة من بركات الإمام #.
  ثم استمر العسكر حتى وافوا الحلة ضحوة النهار يوم الأربعاء، لأربع بقين من الشهر، وقد سرح المال، وكان قريباً من الحلة، والقوم آمنون منتشرون في أشغالهم، وكان في الحلة على ما حكاه من حضر ثلاثمائة بيت من الشعر، قد التأم إليها جمع كثير من ألفاف العرب، من يام وزبيد وآل أحمد وبني الحارث وبني عبلة وغيرهم، فتغنم العسكر الحلة بما فيها من المال والخيل والدروع والذهب والفضة والآلات، ما مقداره ثلاثين ألف دينار سبائية، سوى الحريم والأولاد فلم يعرض لذلك أحد، وافترقت الخيل في ضم الإبل وكنت قريباً من خمسة آلاف.
  فكان الشريف سباع بن [محمد] الحسني الحرابي راكباً على راحلة، فضم طائفة من المال، وواقعه العدو وهو منفرد من أصحابه فقتلوه، ومضى شهيداً إلى رحمة الله، والمتولي لقتله القاسي بن سعيد بن محمد الأحمدي.
  وفي تلك الحال أيضاً قتل مزعق بن مظفر الجنبي |، فجاءوا بها من كل جهة، وضموا بعضها إلى بعض، والتأم العسكر من الجهات، وضربت الطبول والحرانيات، وكان فيها عبيد فصعقوا منها لتنفيرها، فانقضت انقضاض السيل فلم يقدر أحد على إمساكها، ومرت يتلو بعضها بعضاً، وما بقي منها إلا القليل، وراحت لاحقة بأهلها، وقد كانت الخيل كلت عن لحاقها، وتفرق البدوان في رؤوس الجبال، وبطون الأودية، ورموا بأنفسهم إلى الغائط، فهلك منهم ناس من شدة