السيرة الشريفة المنصورية ج1،

فاضل بن عباس بن دعثم (المتوفى: 700 هـ)

فتح مأرب وبيحان وما يتعقبهما من الأحداث الكبار

صفحة 585 - الجزء 1

  لاقتفى أثره في محبتنا، ودعا إلى طاعتنا، ونابذ عنا، ولكنه من دعواه هذه على مثل ليلة الصَّدَر، ولا عين معه مما ادعاه ولا أثر، فأما افتخاره بالكثرة فجهله بكتاب الله عاذره، وإنما هو هدر به بلسانه ولا يعرف معناه بقلبه؛ لأنه لو عرف معناه لعلم أن الله سبحانه ذم في كتابه الكريم الأكثرين ومدح الأقلين، فقال لا شريك له: {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ٧٠}⁣[المؤمنون: ٧٠]، وقال: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ}⁣[الأعراف: ١٠٢]، وقال: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ١٠٣}⁣[يوسف: ١٠٣]، وأما مدحه للأقلين فبقوله: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}⁣[ص: ٢٤]؛ وغالب الظن أنه لجهله يفسر هذه الآية: بأن الماء الذي يتطهر به قليل، ويقبل ذلك منه جنسه في المعرفة من العوام الذين جعلوه إماماً لهم وواسطة بينهم وبين ربهم، وتركوا عترة نبيهم وسفن نجاتهم، فالله المستعان، وقال سبحانه: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ٤٠}⁣[هود: ٤٠]، وقال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ١٣}⁣[سبأ: ١٣]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}⁣[النساء: ٦٦]، فنحن القليل وأتباعنا من المسلمين؛ لأنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومهبط الوحي، ومختلف الملائكة، ونحن أهل الذكر الذي أوجب الحكيم سبحانه سؤالنا، وأولوا الأمر الذين أمر تعالى بطاعتنا، ورد ما التبس من الأمر إلينا، وبنا يفتح ويختم، ونحن سفن النجاة، وقال جدنا ÷: «أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك».

  وهل تمت لكم أبداً صلاة ... إذا ما أنتم لم تذكرونا

  وهل تجب الصلاة على أبيكم ... كما تجب الصلاة على أبينا