السيرة الشريفة المنصورية ج1،

فاضل بن عباس بن دعثم (المتوفى: 700 هـ)

[كتاب الإمام إلى الأمير محمد بن إبراهيم يوصيه بأمر الرعية]

صفحة 608 - الجزء 1

  الغضب والرضا، ولا تجاوز في العقوبة الحد فتكون من المعتدين، ولا تقصر دونه فتكون من المدهنين، وجُدَّ عند الرضا، وشمر عن ساق الجد، فإن الأمر جد، واشغل فكرك بالنظر في صلاح هذه الأمة، فإنها فريضة الله علينا، ووصية رسول الله ÷ إلينا، ولا توسع في ظلمهم لأحد ممن قدرت أن تضرب على يده، وَهَبْ لله نفسك في الدنيا يهبها لك في الآخرة، وإذا تواترت عليك النعم فكن أشد ما تكون خوفاً لله، فإن الطير تؤخذ على الحب والماء، وكن عند المحنة صبوراً، وعند النعمة شكوراً، ولا تكثر السباب، ولا تطل العتاب، وطيِّب كسبك، وخف ربك، ولا تعلق بي شيئاً من أمرك، فلا يعلم الغيب إلا الله، ما قصدتَ به الله فهو لك، وما قصدت به غير الله فهو عليك.

  واعلم أن عيون الله سبحانه قائمة على باطنك وظاهرك، لا تنام إن نمت، ولا تغفل إن غفلت، فاحفظ نفسك منها، وتأهب للصباح والبيات والمفاجأة، ولا تكن على غرة من أمرك، وانظر إلى من سكن هذه الدار من القرون الماضية، والأمم الخالية، كيف حالت بهم الحال، ونزل بهم النكال والوبال، ولم يغن عنهم ما عُنُوا به عن العمل الصالح الذي هو خير زاد، وأفضل عتاد، هل وَقَتْهُم واقية؟، وهل لهم من باقية؟، وفقنا الله وإياك لطاعته، وجنبنا معصيته، وجعلنا ممن يخشاه بالغيب، إنه قريب مجيب، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

  وأقام هلدري بحوث أشهراً متوالية، والأمير أسد الدين الحسن بن حمزة يقبض خراج البلاد، ويؤديه إليه يفرقه في الأجناد، وجاءت مكاتبة من القائد عطيف بن موفق من الذنائب يرغبه في تهامة، ويحضه على النهوض إليها في الجنود الذين معه، فوقع ذلك في نفسه وشاور خواصه من الجند على أمره، وأعطى كبارهم الخيل