[بقية الباب الثالث]
  مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكناً؛ فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعوها على مواضعها، فقال: أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة.
  فلما قدم المدينة رقى المنبر وخطب إلى أن قال: ثم إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول: والله لو قد مات عمر بايعت فلاناً - قال ابن أبي الحديد: القائل هو عمار يقول: لو قد مات عمر بايعت علياً #، ذكر ذلك عن الجاحظ - فلا يغرن امرءاً أن يقول كانت بيعة أبي بكر فلتة، فلقد كانت كذلك ولكن وقى الله شرها، وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان من خبرنا يوم توفي رسول الله ÷ من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين ولا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن(١) يقتلا أن علياً والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة &، وتخلف عنا الأنصار، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نحوهم، فلقينا رجلان من الأنصار قد شهدا بدراً، أحدهما عويم بن ساعدة، والثاني معن بن عدي، فقالا لنا: ارجعوا فاقضوا أمر نبيكم(٢)، وفي أنوار اليقين عن ابن جرير فاقضوا أمر نبيكم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة وبين أظهرهم رجل مزمل، فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، قلت: ما له؟ قالوا: به وعك، فقام رجل منهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فنحن الأنصار، وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر قريش رهط نبينا، قد دفت إلينا دافة(٣)
(١) قالوا: غرر تغريراً وتغره، وانتصب تغرة هاهنا لأنه مفعول له، ومعنى الكلام: إنه إذا بايع واحد لآخر بغتة من غير شورى فلا يؤمر واحد منهما؛ لأنهما قد غررا بأنفسهما وعرضهما لأن يقتلا. (من شرح النهج).
(٢) في شرح النهج: أمركم بينكم.
(٣) الدافة: الجماعة من الناس تقبل من بلد إلى بلد. (من شرح النهج).