شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فتنة عبد الله بن الحضرمي بالبصرة

صفحة 49 - الجزء 4

  في خمسين رجلا من بني تميم، ما كان فيهم يماني غيري، وكنت شديد التشيع، فقلت لجارية: إن شئت كنت معك، وإن شئت ملت إلى قومي، فقال: بل معي، فو الله لوددت أن الطير، والبهائم تنصرني عليهم فضلا عن الإنس.

  قال: وروى كعب بن قعين: أن عليا # كتب مع جارية كتابا، وقال: أقرئه على أصحابك.

  قال: فمضينا معه، فلما دخلنا البصرة بدأ بزياد فرحب به وأجلسه إلى جانبه، وناجاه ساعة وساءله، ثم خرج، فكان أفضل ما أوصاه به أن قال: احذر على نفسك واتق أن تلقى ما لقي صاحبك القادم قبلك.

  وخرج جارية من عنده، فقام في الأزد فقال: جزاكم الله من حي خيرا ما أعظم غناءكم، وأحسن بلاءكم، وأطوعكم لأميركم لقد عرفتم الحق إذ ضيعه من أنكره، ودعوتم إلى الهدى إذ تركه من لم يعرفه، ثم قرأ عليهم وعلى من كان معه من شيعة علي # وغيرهم كتاب علي #، فإذا فيه من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من ساكني البصرة من المؤمنين والمسلمين: سلام عليكم، أما بعد، فإن الله حليم ذو أناة لا يعجل بالعقوبة قبل البينة، ولا يأخذ المذنب عند أول وهلة، ولكنه يقبل التوبة ويستديم الأناة، ويرضي بالإنابة ليكون أعظم للحجة وأبلغ في المعذرة، وقد كان من شقاق جلكم أيها الناس، ما استحققتم أن تعاقبوا عليه، فعفوت عن مجرمكم، ورفعت السيف عن مدبركم، وقبلت من مقبلكم، وأخذت بيعتكم، فإن تفوا ببيعتي، وتقبلوا نصيحتي، وتستقيموا على طاعتي أعمل