شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم علي

صفحة 73 - الجزء 4

  قال أبو جعفر: وقد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ٢٠٤ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ٢٠٥}⁣[البقرة: ٢٠٤ - ٢٠٥]، و أن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}⁣[البقرة: ٢٠٧] فلم يقبل فبذل له مائتي ألف درهم، فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف، فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف، فقبل وروى ذلك.

  قال: وقد صح أن بني أمية منعوا من إظهار فضائل علي # وعاقبوا على ذلك الراوي له، حتى أن الرجل إذا روى عنه حديثا لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه، فيقول: عن أبي زينب.

  وروى عطاء عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: وددت أن أترك فأحدث بفضائل علي بن أبي طالب # يوما إلى الليل وأن عنقي هذه ضربت بالسيف.

  قال: فالأحاديث الواردة في فضله لو لم تكن في الشهرة والاستفاضة وكثرة النقل إلى غاية بعيدة، لانقطع نقلها للخوف والتقية من بني مروان، مع طول المدة وشدة العداوة.

  ولو لا أن لله تعالى في هذا الرجل سرا يعلمه من يعلمه لم يرو في فضله حديث، ولا عرفت له منقبة، ألا ترى أن رئيس قرية لو سخط على واحد من أهلها، ومنع الناس أن يذكروه بخير وصلاح لخمل ذكره، ونسي اسمه وصار، وهو موجود معدوما، وهو حي ميتا، هذه خلاصة ما ذكره شيخنا أبو جعفر ¦ في هذا المعنى في كتاب التفضيل.