قطري بن الفجاءة المازني
  انصرفوا، ثم بعث إلى عبيدة فأخبره، وقال له: أنا لا أقار على الفاحشة، فقال بهتوني: يا أمير المؤمنين، فما ترى؟ قال: إني جامع بينك وبينهم، فلا تخضع خضوع المذنب، ولا تتطاول تطاول البري ء، فجمع بينهم فتكلموا، فقام عبيدة فقال: ﷽ {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ}[النور: ١١]، حتى تلا الآيات فبكوا، وقاموا إليه فاعتنقوه، وقالوا استغفر لنا، ففعل فقال عبد ربه الصغير مولى بني قيس بن ثعلبة: والله لقد خدعكم، فتابع عبد ربه منهم ناس كثير، ولم يظهروا ولم يجدوا على عبيدة في إقامة الحد ثبتا.
  وكان قطري قد استعمل رجلا من الدهاقين، فظهرت له أموال كثيرة، فأتوا قطريا فقالوا: إن عمر بن الخطاب لم يكن يقار عماله على مثل هذا، فقال قطري: إني استعملته وله ضياع وتجارات، فأوغر ذلك صدورهم، وبلغ المهلب ذلك فقال: اختلافهم أشد عليهم مني، ثم قالوا لقطري: ألا تخرج بنا إلى عدونا، فقال: لا، ثم خرج، فقالوا: قد كذب وارتد، فاتبعوه يوما فأحس بالشر، ودخل دارا مع جماعة من أصحابه فاجتمعوا عليه، وصاحوا: اخرج إلينا يا دابة، فخرج إليهم فقال: أرجعتم بعدي كفارا؟ قالوا: أو لست دابة، قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}[هود: ٦]، و لكنك قد كفرت بقولك: أنا قد رجعنا كفارا فتب إلى الله، فشاور عبيدة في ذلك، فقال له: إن تبت لم يقبلوا منك، فقل: إني استفهمت، فقلت: أرجعتم بعدي كفارا؟ فقال لهم ذلك فقبلوا منه، فرجع إلى منزله.