شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

طرف من أخبار المهلب وبينه

صفحة 222 - الجزء 4

  ثم قدم المهلب على الحجاج، فأجلسه إلى جانبه، وأظهر بره وإكرامه، وقال: يا أهل العراق، أنتم عبيد قن للمهلب، ثم قال: أنت والله كما لقيط:

  فقلدوا أمركم لله دركم ... رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا

  لا يطعم النوم إلا ريث يبعثه ... هم يكاد حشاه يقصم الضلعا

  لا مترفا إن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عض مكروه به خشعا

  ما زال يحلب هذا الدهر أشطره ... يكون متبعا طورا ومتبعا

  حتى استمرت على شرر مريرته ... مستحكم الرأي لا قحما ولا ضرعا

  وروى أنه قام إليه رجل فقال: أصلح الله الأمير، والله لكأني أسمع الساعة قطريا، وهو يقول لأصحابه المهلب، والله كما قال لقيط الأيادي، ثم أنشد هذا الشعر، فسر الحجاج حتى امتلأ سرورا، فقال المهلب: أما والله ما كنا أشد من عدونا ولا أحد، ولكن دمغ الحق الباطل، وقهرت الجماعة الفتنة، والعاقبة للمتقين، وكان ما كرهناه من المطاولة خيرا لنا مما أحببناه من المعاجلة.