شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

دخول شبيب الكوفة وأمره مع الحجاج

صفحة 273 - الجزء 4

  وبلغ شبيبا منزل حبيب بن عبد الرحمن بالأنبار، فأقبل بأصحابه حتى دنا منه فقال يزيد السكسكي: كنت مع أهل الشام بالأنبار ليلة جاءنا شبيب، فبيتنا فلما أمسينا جمعنا حبيب بن عبد الرحمن، فجعلنا أرباعا وجعل على كل ربع أميرا، وقال: لنا ليحم كل ربع منكم جانبه، فإن قتل هذا الربع فلا يعنهم الربع الآخر، فإنه بلغني أن الخوارج منكم قريب، فوطنوا أنفسكم على أنكم مبيتون فمقاتلون.

  قال: فما زلنا على تعبيتنا حتى جاءنا شبيب تلك الليلة، فبيتنا فشد على ربع منا، فصابرهم طويلا فما زالت قدم إنسان منهم، ثم تركهم وأقبل إلى ربع آخر، فقاتلهم طويلا، فلم يظفر بشي ء، ثم طاف بنا يحمل علينا ربعا، ربعا، حتى ذهب ثلاثة أرباع الليل، ولصق بنا، حتى قلنا لا يفارقنا، ثم ترجل فنازلنا راجلا نزالا طويلا هو وأصحابه، فسقطت والله بيننا وبينهم الأيدي والأرجل، وفقئت الأعين وكثرت القتلى، فقتلنا منهم نحو ثلاثين وقتلوا منا نحو مائة، وايم الله لو كانوا أكثر من مائتي رجل لأهلكونا، ثم فارقونا وقد مللناهم وملونا وكرهناهم وكرهونا، ولقد رأيت الرجل منا يضرب الرجل منهم بالسيف، فما يضره من الإعياء والضعف، ولقد رأيت الرجل منا يقاتل جالسا ينفخ بسيفه ما يستطيع أن يقوم من الإعياء والبهر، حتى ركب شبيب وقال لأصحابه الذين نزلوا معه: اركبوا وتوجه بهم منصرفا عنا.

  فقال فروة بن لقيط الخارجي: وكان شهد معه مواطنه كلها قال لنا: ليلتئذ وقد رأى