شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

3 - ومن خطبة له وهي المعروفة بالشقشقية:

صفحة 152 - الجزء 1

  ويكدح يسعى ويكد مع مشقة، قال تعالى: {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا}⁣[الانشقاق: ٦]، وهاتا بمعنى هذه ها للتنبيه وتا، للإشارة ومعنى تا، ذي وهذا أحجى من كذا أي أليق بالحجا وهو العقل.

  وفي هذا الفصل من باب البديع في علم البيان عشرة ألفاظ.

  أولها قوله لقد تقمصها، أي: جعلها كالقميص مشتملة عليه والضمير للخلافة ولم يذكرها للعلم بها كقوله سبحانه: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ٣٢}⁣[ص: ٣٢] وكقوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ٢٦}⁣[الرحمن: ٢٦] وكقول حاتم:

  أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

  وهذه اللفظة مأخوذة من كتاب الله تعالى في قوله سبحانه: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى}⁣[الأعراف: ٢٦] وقول النابغة:

  تسربل سربالا من النصر وارتدى ... عليه بعضب في الكريهة قاصل

  الثانية: قوله ينحدر عني السيل يعني رفعة منزلته # كأنه في ذروة جبل أو يفاع مشرف ينحدر السيل عنه إلى الوهاد والغيطان، قال الهذلي:

  وعيطاء يكثر فيها الزليل ... وينحدر السيل عنها انحدارا

  الثالثة: قوله # ولا يرقى إلي الطير هذه أعظم في الرفعة والعلو من التي قبلها؛ لأن السيل ينحدر عن الرابية والهضبة وأما تعذر رقي الطير فربما يكون للقلال الشاهقة جدا بل ما هو أعلى من قلال الجبال، كأنه يقول إني لعلو منزلتي كمن في السماء التي يستحيل أن يرقى الطير إليها قال أبو الطيب:

  فوق السماء وفوق ما طلبوا ... فإذا أرادوا غاية نزلوا