شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

نبذ من كلام عمرو بن العاص

صفحة 325 - الجزء 6

  أعلي أم لي فإذا مت فلا تبكين علي باكية ولا يتبعني نائح ولا تقربوا من قبري نارا وشدوا علي إزاري فإني مخاصم وشنوا علي التراب شنا فإن جنبي الأيمن ليس بأحق من جنبي الأيسر ولا تجعلوا في قبري خشبة ولا حجرا وإذا واريتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جزور وتقطيعها أستأنس بكم.

  فإن قلت فما الذي يقوله أصحابك المعتزلة في عمرو بن العاص قلت إنهم يحكمون على كل من شهد صفين بما يحكم به على الباغي الخارج على الإمام العادل ومذهبهم في صاحب الكبيرة إذا لم يتب معلوم.

  فإن قلت أليس في هذه الأخبار ما يدل على توبته نحو قوله ولا مستكبر بل مستغفر وقوله اللهم خذ مني حتى ترضى وقوله أمرت فعصيت ونهيت فركبت.

  وهذا اعتراف وندم وهو معنى التوبة قلت إن قوله تعالى {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}⁣[النساء: ١٨] يمنع من كون هذا توبة وشروط التوبة وأركانها معلومة وليس هذا الاعتراف والتأسف منها في شي ء.

  وقال شيخنا أبو عبد الله أول من قال بالإرجاء المحض معاوية وعمرو بن العاص كانا يزعمان أنه لا يضر مع الإيمان معصية ولذلك قال معاوية لمن قال له حاربت من تعلم وارتكبت ما تعلم فقال وثقت بقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}⁣[الزمر: ٥٣]