شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في ذم الكذب وحقارة الكذابين

صفحة 358 - الجزء 6

  وإن هذا الرجل يدنيك يعني عمر بن الخطاب فاحفظ عني ثلاثا لا تفشين له سرا ولا تغتابن عنده أحدا ولا يطلعن منك على كذبة قال عبد الله فكانت هذه الثلاث أحب إلي من ثلاث بدرات ياقوتا قال الواثق لأحمد بن أبي داود ¦ كان ابن الزيات عندي فذكرك بكل قبيح قال الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب علي ونزهني عن الصدق في أمره.

  وكان يقال أمران لا يكاد أحدهما ينفك من الكذب كثرة المواعيد وشدة الاعتذار.

  ومن الحكم القديمة إنما فضل الناطق على الأخرس بالنطق وزين المنطق الصدق فالكاذب شر من الأخرس.

  قال الرشيد للفضل بن الربيع في كلام جرى بينهما كذبت فقال يا أمير المؤمنين وجه الكذوب لا يقابلك ولسانه لا يحاورك.

  قيل في تفسير قوله تعالى {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ١٨}⁣[الأنبياء: ١٨] هي في الكذابين فالويل لكل كاذب إلى يوم القيامة.

  ومن كلام بعض الصالحين لو لم أترك الكذب تأثما لتركته تكرما.

  أبو حيان الكذب شعار خلق ومورد رنق وأدب سيئ وعادة فاحشة وقل من استرسل معه إلا ألفه وقل من ألفه إلا أتلفه والصدق ملبس بهي ومنهل غذي وشعاع منبث وقل من اعتاده ومرن عليه إلا صحبته السكينة وأيده التوفيق وخدمته القلوب بالمحبة ولحظته العيون بالمهابة.