شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

أبحاث تتعلق بالملائكة

صفحة 436 - الجزء 6

  وقال معظم أصحابنا إن إبليس ليس من الملائكة ولا كان منها وإنما استثناه الله تعالى منهم لأنه كان مأمورا بالسجود معهم فهو مستثنى من عموم المأمورين بالسجود لا من خصوص الملائكة.

  البحث الثامن في هاروت وماروت هل هما من الملائكة أم لا قال جمهور أصحابنا إنهما من الملائكة وإن القرآن العظيم قد صرح بذلك في قوله {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}⁣[البقرة: ١٠٢] وإن الذي أنزل عليهما هو علم السحر ابتلاء من الله تعالى للناس فمن تعلمه منهم وعمل به كان كافرا ومن تجنبه أو تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه كان مؤمنا قالوا وما كان هذان الملكان يعلمان أحدا حتى ينبهاه وينهياه وينصحاه ويقولا له {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ}⁣[البقرة: ١٠٢] أي ابتلاء واختبار من الله {فَلَا تَكْفُرْ}⁣[البقرة: ١٠٢] ولا تتعلمه معتقدا أنه حق.

  وحكى عن الحسن البصري أن هاروت وماروت علجان أقلفان من أهل بابل كانا يعلمان الناس السحر وقرأ الحسن {عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ}⁣[البقرة: ١٠٢] بكسر اللام.

  وقال قوم كانا من الملائكة فعصيا الله تعالى بالحيف في الحكومة وقد كان استقضاهما في الأرض وركب فيهما الشهوة والغضب على نحو ما ركب في البشر امتحانا لهما لأنهما قد كانا عيرا البشر بالمعصية فلما عصيا حبسهما الله تعالى وعاقبهما بعذاب معجل وألهمهما كلاما إذا تكلما به سكن بعض ما بهما من الألم وإن السحرة يستمعون ذلك الكلام فيحفظونه ويفرقون به بين المرء وزوجه فإنهما يتقدمان إلى من يحضرهما عند ما يتكلمان بالزجر عن العمل بذلك الكلام ويقولان {إِنَّمَا نَحْنُ