شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في الاستطراد وإيراد شواهد للشعراء فيه

صفحة 243 - الجزء 7

  أو المهجو تركت ما كنت فيه من قبل بالكلية وأقبلت على ما تخلصت إليه من المديح والهجاء بيتا بعد بيت حتى تنقضي القصيدة وفي الاستطراد تمر على ذكر الأمر الذي استطردت به مرورا كالبرق الخاطف ثم تتركه وتنساه وتعود إلى ما كنت فيه كأنك لم تقصد قصد ذاك وإنما عرض عروضا وإذا فهمت الفرق فاعلم أن الآيات التي تلوناها إذا حققت وأمعنت النظر من باب الاستطراد لا من باب التخلص وذلك لأنه تعالى قال بعد قوله {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ١٥٧ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ١٥٨ وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ١٥٩ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ١٦٠}⁣[الأعراف: ١٥٧ - ١٦٠] فعاد إلى ما كان فيه أولا ثم مر في هذه القصة وفي أحوال موسى وبني إسرائيل حتى قارب الفراغ من السورة.

  ومن لطيف التخلص الذي يكاد يكون استطرادا لو لا أنه أفسده بالخروج إلى المدح قول أبي تمام في قصيدته التي يمدح بها محمد بن الهيثم التي أولها

  أسقى طلولهم أجش هزيم ... وغدت عليهم نضرة ونعيم

  ظلمتك ظالمة البريء ظلوم ... والظلم من ذي قدرة مذموم

  زعمت هواك عفا الغداة كما عفت ... منها طلول باللوى ورسوم