شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

المقدمة

صفحة 24 - الجزء 1

  الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم، فقال له أصحابه وشيعته: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين، كما منعوك ولا تسقهم منه قطرة واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضا بالأيدي فلا حاجة لك إلى الحرب، فقال: (لا والله، لا أكافئهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة) ففي حد السيف ما يغني عن ذلك فهذه إن نسبتها إلى الحلم والصفح فناهيك بها جمالا وحسنا، وإن نسبتها إلى الدين والورع فأخلق بمثلها أن تصدر عن مثله #.

  وأما الجهاد في سبيل الله فمعلوم عند صديقه وعدوه، أنه سيد المجاهدين، وهل الجهاد لأحد من الناس إلا له، وقد عرفت أن أعظم غزاة غزاها رسول الله ÷ وأشدها نكاية في المشركين بدر الكبرى، قتل فيها سبعون من المشركين، قتل علي نصفهم وقتل المسلمون والملائكة النصف الآخر، وإذا رجعت إلى مغازي محمد بن عمر الواقدي وتاريخ الأشراف لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري وغيرهما، علمت صحة ذلك، دع من قتله في غيرها كأحد والخندق وغيرهما وهذا الفصل لا معنى للإطناب فيه؛ لأنه من المعلومات الضرورية كالعلم بوجود مكة ومصر ونحوهما.

  وأما الفصاحة، فهو # إمام الفصحاء وسيد البلغاء، وفي كلامه قيل: دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة، قال عبد الحميد بن يحيى: حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع، ففاضت ثم فاضت، وقال ابن نباتة: حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الإنفاق إلا سعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب.

  ولما قال محفن بن أبي محفن لمعاوية: جئتك من عند أعيا الناس، قال له: ويحك