شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في ذكر جنكزخان وفتنة التتر

صفحة 222 - الجزء 8

  فجمع خوارزمشاه أمراءه ومن عنده من أرباب المشورة فاستشارهم فقالوا لا بل الرأي أن نتركهم ليعبروا سيحون إلينا ويسلكوا هذه الجبال والمضايق فإنهم جاهلون بطرقها ونحن عارفون بها فنظهر عليهم ونهلكهم عن آخرهم.

  فكانوا على ذلك حتى وصل رسول من جنكزخان ومعه جماعة يتهدد خوارزمشاه ويقول تقتل أصحابي وتجاري وتأخذ مالي منهم استعد للحرب فإني واصل إليك بجمع لا قبل لك به.

  فلما أدى هذه الرسالة إلى خوارزمشاه أمر بقتل الرسول فقتل وحلق لحى الجماعة الذين كانوا معه وأعادهم إلى صاحبهم جنكزخان ليخبروه بما فعل بالرسول ويقولوا له إن خوارزمشاه يقول لك إني سائر إليك فلا حاجة لك أن تسير إلي فلو كنت في آخر الدنيا لطلبتك حتى أقتلك وأفعل بك وبأصحابك ما فعلت برسلك.

  وتجهز خوارزمشاه وسار بعد نفوذ الرسول مبادرا لسبق خبره ويكبس التتار على غرة فقطع مسيرة أربعة أشهر في شهر واحد ووصل إلى بيوتهم وخركاواتهم فلم ير فيها إلا النساء والصبيان والأثقال فأوقع بهم وغنم الجميع وسبى النساء والذرية.

  وكان سبب غيبوبة التتار عن بيوتهم أنهم ساروا إلى محاربة ملك من ملوك الترك يقال له كشلوخان فقاتلوه فهزموه وغنموا أمواله وعادوا فلقيهم الخبر في طريقهم بما فعل خوارزمشاه بمخلفيهم فأغذوا السير فأدركوه وهو على الخروج من بيوتهم