شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

المقدمة

صفحة 27 - الجزء 1

  وأما العبادة، فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوما، ومنه تعلم الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد وقيام النافلة، وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير، فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه وتمر على صماخيه يمينا وشمالا فلا يرتاع لذلك ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته، وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده.

  وأنت إذا تأملت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله وما يتضمنه من الخضوع لهيبته والخشوع لعزته والاستخذاء له، عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص، وفهمت من أي قلب خرجت وعلى أي لسان جرت.

  وقيل لعلي بن الحسين #، وكان الغاية في العبادة أين عبادتك من عبادة جدك، قال: (عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول الله ÷، وأما قراءته القرآن واشتغاله به، فهو المنظور إليه في هذا الباب اتفق الكل على أنه كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله ÷، ولم يكن غيره يحفظه، ثم هو أول من جمعه نقلوا كلهم أنه تأخر عن بيعة أبي بكر، فأهل الحديث لا يقولون ما تقوله الشيعة من أنه تأخر مخالفة للبيعة بل يقولون تشاغل بجمع القرآن، فهذا يدل على أنه أول من جمع القرآن؛ لأنه لو كان مجموعا في حياة رسول الله ÷ لما احتاج إلى أن يتشاغل بجمعه بعد وفاته ÷، وإذا رجعت إلى كتب القراءات وجدت أئمة القراء كلهم يرجعون إليه كأبي عمرو بن العلاء وعاصم بن أبي النجود وغيرهما؛ لأنهم يرجعون إلى أبي عبد الرحمن السلمي القارئ