149 - ومن كلام له # قبل موته
  قوله اضمحل في الجو متلفقها وعفا في الأرض مخطها اضمحل ذهب والميم زائدة ومنه الضحل وهو الماء القليل واضمحل السحاب تقشع وذهب وفي لغة الكلابيين امضحل الشيء بتقديم الميم ومتلفقها مجتمعها أي ما اجتمع من الغيوم في الجو والتلفيق الجمع وعفا درس ومخطها أثرها كالخطة.
  قوله وإنما كنت جارا جاوركم بدني أياما في هذا الكلام إشعار بما يذهب إليه أكثر العقلاء من أمر النفس وأن هوية الإنسان شيء غير هذا البدن.
  وقوله ستعقبون مني أي إنما تجدون عقيب فقدي جثة يعني بدنا خلاء أي لا روح فيه بل قد أقفر من تلك المعاني التي كنتم تعرفونها وهي العقل والنطق والقوة وغير ذلك ثم وصف تلك الجثة فقال ساكنة بعد حراك بالفتح أي بعد حركة وصامتة بعد نطق وهذا الكلام أيضا يشعر بما قلناه من أمر النفس بل يصرح بذلك ألا تراه قال ستعقبون مني جثة أي تستبدلون بي جثة صفتها كذا وتلك الجثة جثته # ومحال أن يكون العوض والمعوض عنه واحدا فدل على أن هويته # التي أعقبنا منها الجنة غير الجثة.
  قوله ليعظكم هدوي أي سكوني وخفوت إطراقي مثله خفت خفوتا سكن وخفت خفاتا مات فجأة وإطراقه إرخاؤه عينيه ينظر إلى الأرض لضعفه عن رفع جفنه وسكون أطرافه يداه ورجلاه ورأسه #.
  قال فإنه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ والقول المسموع وصدق # فإن خطبا أخرس ذلك اللسان وهد تلك القوى لخطب جليل ويجب أن يتعظ العقلاء به وما عسى يبلغ قول الواعظين بالإضافة إلى من شاهد تلك الحال بل بالإضافة إلى من سمعها وأفكر فيها فضلا عن مشاهدتها عيانا وفي هذا الكلام شبه من كلام الحكماء الذين تكلموا عند تابوت الإسكندر فقال أحدهم حركنا بسكونه