شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

151 - ومن خطبة له #

صفحة 141 - الجزء 9

  والسلام الحجارة جمع واحده سلمة بكسر اللام يذكر الفتنة ويقول إنها تبدو في أول الأمر وأربابها يمرحون ويشبون كما يشب الغلام ويمرح ثم تئول إلى أن تعقب فيهم آثارا كآثار الحجارة في الأبدان قال الشاعر:

  والحب مثل الحرب أولها ... التخيل والنشاط

  وختامها أم الربيق ... النكر والضرب القطاط

  ثم ذكر أن هذه الفتنة يتوارثها قوم من قوم وكلهم ظالم أولهم يقود آخرهم كما يقود الإنسان القطار من الإبل وهو أمامها وهي تتبعه وآخرهم يقتدي بأولهم أي يفعل فعله ويحذو حذوه.

  وجيفة مريحة منتنة أراحت ظهر ريحها ويجوز أن تكون من أراح البعير أي مات وقد جاء في أراح بمعنى أنتن راح بلا همز.

  ثم ذكر تبرؤ التابع من المتبوع يعني يوم القيامة.

  فإن قلت إن الكتاب العزيز إنما ذكر تبرؤ المتبوع من التابع في قوله {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ١٦٦}⁣[البقرة: ١٦٦] وهاهنا قد عكس ذلك فقال إن التابع يتبرأ من المتبوع قلت إنه قد ورد في الكتاب العزيز مثل ذلك في قوله {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ٢٢}⁣[الأنعام: ٢٢] {قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا}⁣[غافر: ٧٤] فقولهم {لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا}⁣[غافر: ٧٤] هو التبرؤ وهو قوله حكاية عنهم {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ٢٣}⁣[الأنعام: ٢٣] وهذا هو التبرؤ.