شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

161 - ومن خطبة له #

صفحة 225 - الجزء 9

  قيوما وأنه يدرك الأبصار لأنه إما عالم لذاته أو لأنه حي لا آفة به وأنه يحصي الأعمال لأنه عالم لذاته فيعلم كل شيء حاضرا وماضيا ومستقبلا وأنه يأخذ بالنواصي والأقدام لأنه قادر لذاته فهو متمكن من كل مقدور.

  ثم خرج إلى فن آخر فقال وما الذي نعجب لأجله من قدرتك وعظيم ملكك والغائب عنا من عظمتك أعظم من الحاضر مثال ذلك أن جرم الشمس أعظم من جرم الأرض مائة وستين مرة ولا نسبة لجرم الشمس إلى فلكها المائل ولا نسبة لفلكها المائل إلى فلكها المميل وفلك تدوير المريخ الذي فوقها أعظم من مميل الشمس ولا نسبة لفلك تدوير المريخ إلى فلكه المميل وفلك تدوير المشتري أعظم من مميل المريخ ولا نسبة لفلك تدوير المشتري إلى فلكه المميل وفلك تدوير زحل أعظم من مميل المشتري ولا نسبة لفلك تدوير زحل إلى مميل زحل ولا نسبة لمميل زحل إلى كرة الثوابت ولا نسبة لكرة الثوابت إلى الفلك الأطلس الأقصى فانظر أي نسبة تكون الأرض بكليتها على هذا الترتيب إلى الفلك الأطلس وهذا مما تقصر العقول عن فهمه وتنتهي دونه وتحول سواتر الغيوب بينها وبينه كما قال #.

  ثم ذكر أن من أعمل فكره ليعلم كيف أقام سبحانه العرش وكيف ذرأ الخلق وكيف علق السماوات بغير علاقة ولا عمد وكيف مد الأرض على الماء رجع طرفه حسيرا وعقله مبهورا وهذا كله حق ومن تأمل كتبنا العقلية واعتراضنا على الفلاسفة الذين عللوا هذه الأمور وزعموا أنهم استنبطوا لها أسبابا عقلية وادعوا وقوفهم على كنهها وحقائقها علم صحة ما ذكره # من أن من حاول تقدير ملك الله تعالى وعظيم مخلوقاته بمكيال عقله فقد ضل ضلالا مبينا.