174 - ومن خطبة له #
  فإن قلت أي فرق بين أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه قلت أقواهم أحسنهم سياسة وأعلمهم بأمر الله أكثرهم علما وإجراء للتدبير بمقتضى العلم وبين الأمرين فرق واضح فقد يكون سائسا حاذقا ولا يكون عالما بالفقه وقد يكون سائسا فقيها ولا يجري التدبير على مقتضى علمه وفقهه.
  وثانيها أن الإمامة لا يشترط في صحة انعقادها أن يحضرها الناس كافة لأنه لو كان ذلك مشترطا لأدى إلى ألا تنعقد إمامة أبدا لتعذر اجتماع المسلمين من أطراف الأرض ولكنها تنعقد بعقد العلماء وأهل الحل والعقد الحاضرين ثم لا يجوز بعد عقدها لحاضريها أن يرجعوا من غير سبب يقتضي رجوعهم ولا يجوز لمن غاب عنها أن يختار غير من عقد له بل يكون محجوجا بعقد الحاضرين مكلفا طاعة الإمامة المعقود له وعلى هذا جرت الحال في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وانعقد إجماع المسلمين عليه وهذا الكلام تصريح بصحة مذهب أصحابنا في أن الاختيار طريق إلى الإمامة ومبطل لما تقوله الإمامية من دعوى النص عليه ومن قولهم لا طريق إلى الإمامة سوى النص أو المعجز.
  وثالثها أن الخارج على الإمام يستعتب أولا بالكلام والمراسلة فإن أبى قوتل وهذا هو نص الكتاب العزيز {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات: ٩].
  و رابعها أنه يقاتل أحد رجلين إما رجلا ادعى ما ليس له نحو أن يخرج على الإمام من يدعي الخلافة لنفسه وإما رجلا منع ما عليه نحو أن يخرج على الإمام رجل لا يدعي الخلافة ولكنه يمتنع من الطاعة فقط.
  فإن قلت الخارج على الإمام مدع الخلافة لنفسه مانع ما عليه أيضا لأنه قد امتنع من الطاعة فقد دخل أحد القسمين في الآخر.