شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

177 - ومن خطبة له #

صفحة 17 - الجزء 10

  عقولهم فإذا تركوه ساغ في الحكمة تعذيبهم وعقوبتهم فكأنه قد أبان لهم عذره أن لو قالوا لم تعاقبنا.

  ومحابه من الأعمال هي الطاعات التي يحبها وحبه لها إرادة وقوعها من المكلفين ومكارهه من الأعمال القبائح التي يكرهها منهم وهذا الكلام حجة لأصحابنا على المجبرة والخبر الذي رواه # مروي في كتب المحدثين وهو قول رسول الله ÷ حجبت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ومن المحدثين من يرويه حفت فيهما وليس منهم من يرويه حجبت في النار وذلك لأن لفظ الحجاب إنما يستعمل فيما يرام دخوله وولوجه لمكان النفع فيه ويقال حجب زيد عن مأدبة الأمير ولا يقال حجب زيد عن الحبس.

  ثم ذكر # أنه لا طاعة إلا في أمر تكرهه النفس ولا معصية إلا بمواقعة أمر تحبه النفس وهذا حق لأن الإنسان ما لم يكن متردد الدواعي لا يصح التكليف وإنما تتردد الدواعي إذا أمر بما فيه مشقة أو نهي عما فيه لذة ومنفعة.

  فإن قلت أليس قد أمر الإنسان بالنكاح وهو لذة قلت ما فيه من ضرر الإنفاق ومعالجة أخلاق النساء يربي على اللذة الحاصلة فيه مرارا.

  ثم قال # رحم الله امرأ نزع عن شهوته أي أقلع.

  وقمع هوى نفسه أي قهره.

  ثم قال فإن هذه النفس أبعد شيء منزعا أي مذهبا قال أبو ذؤيب:

  والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع