شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

ذكر فوائد العزلة

صفحة 43 - الجزء 10

  تركت خراسان فقال ما تهنأت بالعيش إلا هاهنا أفر بديني من شاهق إلى شاهق فمن رآني قال موسوس أو حمال.

  وقيل للحسن يا أبا سعيد هاهنا رجل لم نره قط جالسا إلا وحده خلف سارية فقال الحسن إذا رأيتموه فأخبروني فنظروا إليه ذات يوم فقالوا للحسن وأشاروا إليه فمضى نحوه وقال له يا عبد الله لقد حببت إليك العزلة فما يمنعك من مجالسة الناس قال أمر شغلني عنهم قال فما يمنعك أن تأتي هذا الرجل الذي يقال له الحسن فتجلس إليه قال أمر شغلني عن الناس وعن الحسن قال وما ذلك الشغل يرحمك الله قال إني أمسي وأصبح بين نعمة وذنب فأشغل نفسي بشكر الله على نعمه والاستغفار من الذنب فقال الحسن أنت أفقه عندي يا عبد الله من الحسن فالزم ما أنت عليه.

  وجاء هرم بن حيان إلى أويس فقال له ما حاجتك قال جئت لآنس بك قال ما كنت أعرف أحدا يعرف ربه فيأنس بغيره.

  وقال الفضيل إذا رأيت الليل مقبلا فرحت به وقلت أخلو بربي وإذا رأيت الصبح أدركني استرجعت كراهية لقاء الناس وأن يجيء إلي من يشغلني عن ربي.

  وقال مالك بن دينار من لم يأنس بمحادثة الله عن محادثة المخلوقين فقد قل علمه وعمي قلبه وضاع عمره.

  وقال بعض الصالحين بينا أنا أسير في بعض بلاد الشام إذا أنا بعابد خارج من بعض تلك الجبال فلما نظر إلي تنحى إلى أصل شجرة وتستر بها فقلت سبحان الله أتبخل علي بالنظر إليك فقال يا هذا إني أقمت في هذا الجبل دهرا طويلا أعالج قلبي في الصبر عن الدنيا وأهلها فطال في ذلك تعبي وفني عمري ثم سألت الله تعالى