شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

نسب جعدة بن هبيرة

صفحة 91 - الجزء 10

  معرفة صفته فصف لنا الملائكة فإن معرفة ذات الملك أهون من معرفة ذات الأول سبحانه.

  وحجرات القدس جمع حجرة ومرجحنين مائلين إلى جهة تحت خضوعا لجلال البارئ سبحانه ارجحن الحجر إذا مال هاويا متولهة عقولهم أي حائرة ثم قال إنما يدرك بالصفات ويعرف كنه ما كان ذا هيئة وأداة وجارحة وما ينقضي ويفنى ويتطرق إليه العدم وواجب الوجود سبحانه بخلاف ذلك.

  وتحت قوله أضاء بنوره كل ظلام إلى آخر الفصل معنى دقيق وسر خفي وهو أن كل رذيلة في الخلق البشري مع معرفته بالأدلة البرهانية غير مؤثرة ولا قادحة في جلالة المقام الذي قد بلغ إليه وذلك نحو أن يكون العارف بخيلا أو جبانا أو حريصا أو نحو ذلك وكل فضيلة في الخلق البشري مع الجهل به سبحانه فليست بفضيلة في الحقيقة ولا معتد بها لأن نقيصة الجهل به تكسف تلك الأنوار وتمحق فضلها وذلك نحو أن يكون الجاهل به سبحانه جوادا أو شجاعا أو عفيفا أو نحو ذلك وهذا يطابق ما يقوله الأوائل من أن العارف المذنب يشقى بعد الموت قليلا ثم يعود إلى النعيم السرمدي وأن الجاهل ذا العبادة والإحسان يشقى بعد الموت شقاء مؤبدا ومذهب الخلص من مرجئة الإسلام يناقض هذه اللفظات ويقال إنه مذهب أبي حنيفة | ويمكن تأويلها على مذهب أصحابنا بأن يقال كل ظلام من المعاصي الصغائر فإنه ينجلي بضياء معرفته وطاعته وكل طاعة يفعلها المكلف مع الكفر به سبحانه فإنها غير نافعة ولا موجبة ثوابا ويكون هذا التأويل من باب صرف اللفظ عن عمومه إلى خصوصه