شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

بيان أحوال العارفين

صفحة 209 - الجزء 11

  قالوا وليس شيء أشرف من العبودية ولا اسم أتم للمؤمن من اسمه بالعبودية ولذلك قال سبحانه في ذكر النبي ÷ ليلة المعراج وكان ذلك الوقت أشرف أوقاته في الدنيا سُبْحانَ اَلَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً وقال تعالى {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ١٠}⁣[النجم: ١٠] فلو كان اسم أجل من العبودية لسماه به.

  وأنشدوا

  لا تدعني إلا بيا عبدها ... فإنه أشرف أسمائي

  ومنها الإرادة قال تعالى {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}⁣[الأنعام: ٥٢].

  قالوا الإرادة هي بدء طريق السالكين وهي اسم لأول منازل القاصدين إلى الله وإنما سميت هذه الصفة إرادة لأن الإرادة مقدمة كل أمر فما لم يرد العبد شيئا لم يفعله فلما كان هذا الشأن أول الأمر لمن يسلك طريق الله سمي إرادة تشبيها له بالقصد إلى الأمور التي هو مقدمتها.

  قالوا والمريد على موجب الاشتقاق من له إرادة ولكن المريد في هذا الاصطلاح من لا إرادة له فما لم يتجرد عن إرادته لا يكون مريدا كما أن من لا إرادة له على موجب الاشتقاق لا يكون مريدا.

  وقد اختلفوا في العبارات الدالة على ماهية الإرادة في اصطلاحهم فقال بعضهم الإرادة ترك ما عليه العادة وعادة الناس في الغالب التعريج على أوطان الغفلة