شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

روى أبو مخنف أيضا أن عمارا قال هذا البيت ذلك اليوم

صفحة 269 - الجزء 12

  الخروج مما يتفق أكثرهم عليه ويرضى جمهورهم به ولا يقرون أحدا عليه بل يعدونه شذوذا عن الجماعة وخلافا على الأمة.

  فأما قوله إن الأفعال لا يقدح فيها بالظنون بل يجب أن تحمل على ظاهر الصحة وإن الفاعل إذا تقدمت له حالة تقتضي حسن الظن به يجب أن تحمل أفعاله على ما يطابقها فإنا متى سلمنا له بهذه المقدمة لم يتم قصده فيها لأن الفعل إذا كان له ظاهر وجب أن يحمل على ظاهره إلا بدليل يعدل بنا عن ظاهره كما يجب مثله في الألفاظ وقد بينا أن ظاهر الشورى وما جرى فيها يقتضي ما ذكرناه للأمارات اللائحة والوجوه الظاهرة فما عدلنا عن ظاهر إلى محتمل بل المخالف هو الذي يسومنا أن نعدل عن الظاهر فأما الفاعل وما تقدم له من الأحوال فمتى تقدم للفاعل حالة تقتضي أن يظن به الخير من غير علم ولا يقين فلا بد أن يؤثر فيها ويقدح أن يرى له حالة أخرى تقتضي ظن القبيح به لدلالة ظاهرها على ذلك وليس لنا أن نقضي بالأولى على الثانية وهما جميعا مظنونتان لأن ذلك بمنزلة أن يقول قائل اقضوا بالثانية على الأولى وليس كذلك إذا تقدمت للفاعل حالة تقتضي بالخير منه ثم تليها حالة تقتضي ظن القبيح به لأنا حينئذ نقتضي بالعلم على الظن ونبطل حكمه لمكان العلم وإذا صحت هذه الجملة فما تقدمت لمن ذكر حالة تقتضي العلم بالخير وإنما تقدم ما يقتضي حسن الظن فليس لنا إلا نسيء الظن به عند ظهور أمارات سوء الظن لأن كل ذلك مظنون غير معلوم.

  وقوله لو أراد ذلك ما منعه من أن ينص على عثمان مانع كما لم يمنع ذلك أبا بكر من النص عليه فليس بشيء لأنه قد فعل ما يقوم مقام النص على من أراد إيصاله إليه وصرفه عمن أراد أن يصرفه عنه من غير شناعة التصريح وحتى لا يقال فيه ما قيل في أبي بكر ويراجع في قصته كما روجع أبو بكر ولم يتعسف أبعد الطريقين وغرضه يتم من أقربهما.